القاهرة | يعقد مجلس الأمن جلسة خاصة، الخميس المقبل، لمناقشة أزمة ملف سدّ النهضة، بناءً على طلبٍ مصري - سوداني، في خطوة من شأنها تصعيد مسار الأزمة على المستوى الدولي، خصوصاً بعدما بدأت إثيوبيا بالملء الثاني لخزّان السد، من دون تنسيق مع مصر والسودان.وفي هذا الإطار، أكّد السفير الإثيوبي لدي الخرطوم أنّ عملية الملء الثاني للسدّ تتمّ لا إرادياً، ولا يمكن إيقافها. واعتبر أنّ المطالب المشتركة للقاهرة والخرطوم لا يمكن تنفيذها على أرض الواقع، في وقت لا تنوي فيه بلاده الإضرار بالبلدين كما قال، خصوصاً أنّ ثمّة فوائد ستعود على السودان من بناء السد، من بينها الحصول على طاقة كهربائية في الجنوب بسعر زهيد.
تصريحات السفير الإثيوبي عكست حقيقة علمية، مرتبطة باستكمال السلطات الإثيوبية لعملية التعلية في خزانات السدّ بشكل مستمر، خلال الأسابيع الماضية. ويعني ذلك ضرورة تخزين المياه في البحيرة، وفق الارتفاعات التي جرى الوصول إليها سلفاً، أي تخزينها قبل أن تتدفّق مجدداً في مجراها الطبيعي إلى السودان، ثم إلى مصر. ويأتي ذلك وسط توقّعات بأن يكون موسم الفيضان وفيراً، ما سيقلّل من الآثار الجانبية هذا العام في عملية الملء، التي سبقها ضخّ كمّيات من المياه المخزنة العام الماضي، قبل بداية الموسم، من أجل تعلية البحيرة.
وتسعى إثيوبيا لتخزين أكثر من 70 مليار متر مكعّب في بحيرة السد، كما ترفض الطلب المصري بضرورة أن يجري التخزين على 10 سنوات، أو سبع سنوات كحدّ أدنى، مع مراعاة السنوات التي قد يكون فيها جفاف أو منسوبٌ أقل من المياه، ما يسمح بمرونة في سنوات الملء مع وضع ضوابط ملزمة لهذا الأمر. كذلك، ترفض أديس أبابا التوقيع على أيّ اتفاقيات ملزمة تضمن حصّة مصر والسودان في مياه النيل.
وفي هذا السياق، توجّه وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إلى نيويورك أمس، للمشاركة في جلسة مجلس الأمن التي ستسبقها لقاءات عديدة، يعقدها بالتنسيق مع البعثة المصرية في الأمم المتحدة والسفارة المصرية في واشنطن. ومن المتوقّع أنّ يلتقي سفراء بعض الدول الغربية والمندوبين الدائمين في مجلس الأمن، لعرض وجهة النظر المصرية والسودانية، المطالِبة بضرورة التوصّل إلى اتفاق قانوني ملزِم بشأن ملء السد وتشغيله، يراعي مصالح الدول الثلاث، ويحفظ الحقوق في مياه النيل.
صحيح أنّ الخيار العسكري مطروح لكنّ تداعياته ليست في مصلحة مصر


ويحمل شكري في أجندته العديد من الملفّات والوثائق والاتفاقيات التي يستند إليها الموقف المصري. وتأتي تحركاته هذه بالتنسيق مع نظيرته السودانية مريم الصادق المهدي، التي ستصل قبل الجلسة. ومع ذلك، ليس من المتوقّع أن تخرج جلسة مجلس الأمن بأيّ قرارات ملزِمة تجاه إثيوبيا، أو بأي إجراءات من شأنها وقف الملء الثاني، ولكن ستحثّ الأطراف الثلاثة على مزيد من التفاوض، وربما الضغط للعودة إلى طاولة المفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي. وتشهد تلك المفاوضات تعثّراً منذ أسابيع، بسبب ما تصفه مصر والسودان بالتعنّت الإثيوبي، وما تراه أديس أبابا مطالبات مبالغاً فيها وغير منطقية وغير ملزمة لها، أسوة بتنفيذ القاهرة والخرطوم مشاريع سابقة من دون إبلاغها، أو حتى التنسيق معها.
السياسة المصرية في التفاوض حول السد، تلتزم أقصى درجات ضبط النفس، حتى في مسألة الاتهامات التي ستوجّه من إثيوبيا بشأن وقوف القاهرة في وجه محاولات التنمية في أفريقيا. فقد جهّزت مصر ملفّاً بالمشاريع التي تدعم تنفيذها في دول حوض النيل، ومن بينها مشاريع سدود، سواء في تنزانيا أو جنوب السودان، لتأكيد مبدأ الشراكة في التنمية، وليس تعطيلها كما تروّج إثيوبيا.
صحيح أنّ الخيار العسكري مطروح، وقد جرى التلويح به من قبل الرئيس المصري، لكنّ تداعياته على المديَين المتوسط والبعيد ليست في مصلحة مصر، وهو ما يدفع نحو مزيد من التأنّي قبل اتخاذ هذه الخطوة، التي إن جرت ستكون بقرار مشترك مصري - سوداني، مع استعداد لتحمّل التبعات الدولية. ولن يجري اتخاذ قرار كهذا إلّا بعد استنفاد الحلول كافة، بما فيها السياسية، التي يعمل عليها البلدان في الوقت الحالي، عبر محاولة عزل إثيوبيا عن محيطها الأفريقي وتعزيز التعاون مع جيرانها، فضلاً عن اكتساب مزيد من المواقف المؤيّدة من حلفاء أديس أبابا.
الخوف من عدم الوصول إلى اتفاقات ملزمة، قبل موسم الفيضان في عام 2022، هو السبب الرئيس في تأكيد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أنّ التفاوض لا يجوز أن يستمر إلى ما لا نهاية. فرغم التسامح المصري في الملء الأول والملء الثاني المنفرد للسد، إلّا أنّ الكميات المقبلة ستشهد مساساً بالخطوط الحمر التي وضعتها الدولة المصرية.
واللافت، في هذ المجال، أن النظام المصري بدأ بالحشد الشعبي لصالح ملف السد، وهو ما ظهر بشكل واضح في التصريحات الرسمية المتتالية، الصادرة عن المسؤولين الحكوميين، سواء وزير الخارجية أم وزير الري أم غيرهما من المسؤولين، الذين باتوا مهتمّين بشرح تداعيات السد على الحياة في الداخل، وتقليص فرص العمل وغيرها من التداعيات التي لم يكن مسموحاً الحديث عنها في السابق.