ليس قتل الناشط الفلسطيني نزار بنات تعذيباً أثناء اعتقاله، النموذج الوحيد من ممارسات السلطة في قمع معارضيها والمنتمين إلى المقاومة في الضفة الغربية، بل سبقه العديد من الأشخاص الذين قُتلوا أثناء التحقيق معهم نتيجة ممارسة التعذيب الجسدي عليهم بهدف كسرهم أو انتزاع معلومات منهم عن المقاومة.
مجد البرغوثي
في عام 2008، قُتل مجد البرغوثي، وهو أحد عناصر حركة «حماس» في مدينة رام الله المحتلّة، خلال التعذيب في أحد سجون جهاز المخابرات العامّة الفلسطينية، بعد اعتقاله بعشرة أيام على خلفية نشاطه في مقاومة الاحتلال وانتمائه إلى «حماس». إذ تقول عائلته إن الأجهزة الأمنية اعتقلته وهو صائم، من منزله، وعرّضته على مدى أيّام طويلة لضرب شديد متواصل لا يتوقف إلّا عند الصلاة وتناول الطعام. وتشير العائلة إلى أن مجد أُخضع لجلسات استجواب تخلّلها تعذيب شديد نُقل على إثره إلى مستشفى خالد الجراحي، حيث كان يعاني من آلام شديدة في البطن، لكن لم يُسمح له بالبقاء في المشفى، بل أعيد مباشرة إلى التحقيق، ليُتوفّى في اليوم التاسع لاعتقاله. ولم تكتفِ أجهزة السلطة بقتل البرغوثي، بل قمعت الجنازة التي خرجت لتشييعه، واعتقلت عدداً من المشاركين فيها، وحظرت على الصحافيين تصويرها، وصادرت كاميرات بعض الصحافيين والمصوّرين، فيما لم يُسمح بالمرور سوى لسيّارتَي إسعاف وعدد محدود من السيّارات الشخصية لا تتجاوز الخمس، لتُقلّ أفراداً من عائلته إلى قريته. وبعد تحقيق مستفيض تولّته «الهيئة الفلسطينية المستقلّة لحقوق الإنسان» ولجنة تحقيق برلمانية مستقلّة، ورفعت تقريراً به إلى رئيس السلطة محمود عباس، خلصت الهيئة إلى تحميل جهاز المخابرات التابع للسلطة كامل المسؤولية عن وفاة البرغوثي وهو رهن الاعتقال، إلّا أنه لم تتمّ معاقبة أحد من الجهاز المذكور على خلفية الحادثة.

محمد الحاج
وهو أحد عناصر حركة «حماس»، اعتقله جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية عام 2009، على خلفية نشاطه العسكري ضدّ الاحتلال وانتمائه إلى الجناح العسكري للحركة وامتلاكه أسلحة، ليتعرّض لتعذيب متواصل على مدار 48 ساعة منذ لحظة اعتقاله، ما أدى إلى وفاته على الفور. في المقابل، أعلن جهاز الأمن الوقائي أن الحاج انتحر في سجنه، في حين رفضت عائلته وحركة «حماس» هذا الادّعاء بشكل قطعي لأن خلفية الرجل الدينية والثقافية لا يمكن أن تدفعه إلى ذلك، متّهمة السلطة بإعدامه خلال التعذيب.
سبق بنات العديد من الأشخاص الذين قُتلوا أثناء التحقيق معهم

وحينها، ادّعى محافظ جنين أن الحاج استغلّ بعض الدقائق التي غاب فيها الحارس عن غرف التوقيف، ليعمد إلى شنق نفسه بشريط قماش، في حين زعم مدير الأمن الوقائي في جنين أن الحاج صلَّى الظهر وبعدها وُجد متوفًّى في غرفته. وفنّدت مراكز حقوقية وسياسية فلسطينية تلك الادّعاءات عبر طرح عدّة تساؤلات من بينها: «لماذا تُرك لدى السجين شريط قماش، والأصل ألّا يُترك مع أيّ معتقل ما يمكن أن يستخدمه للانتحار؟ وكيف انتحر السجين ويداه مكبّلتان؟ ولماذا تُرك من دون رقابة؟». وطالبت القوى الوطنية والفلسطينية، من جهتها، آنذاك، بتشكيل لجنة تحقيق محايدة، لكن لم تتمّ الاستجابة لتلك المطالب.

هيثم عمرو
بالطريقة الهمجية نفسها التي اقتُحم بها منزل نزار بنات، اقتحمت قوة كبيرة من أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية (مخابرات عامة وأمن وقائي وأمن وطني)، مساء الخميس الواقع فيه 11/ 6/ 2009، منزل عائلة الشهيد هيثم عمرو، وعاثت فيه فساداً. ولم يكن هيثم متواجداً في المنزل، إلّا أنه وصل إليه أثناء تفتيش القوة له، ليُختَطف ويُقتاد إلى مبنى المخابرات العامة في الخليل. وبعد أربعة أيام، أبلغت الأجهزة الأمنية عائلة عمرو أن ابنها قُتل أثناء محاولته الهروب من الطابق الثاني لمبنى المخابرات، ما أدّى إلى سقوطه على الأرض ومقتله، فيما جرى إرسال جثّته إلى التشريح من دون حضور أهله أو أيّ جهات حقوقية. لكنّ العائلة تؤكد أن آثار التعذيب بشتّى أنواعه كانت واضحة على جثته، بالإضافة إلى علامات إطفاء السجائر في بطنه ومناطق حسّاسة من جسمه، وآثار الكدمات، وجروح كبيرة. وطالبت الفصائل الفلسطينية، حينها، بإجراء تحقيق حيادي حول الحادثة، وهو ما رفضته السلطة، إلا أن العائلة لا تزال تؤكد أن التقارير الطبّية ملفّقة، وتمّ إعدادها تحت إشراف الأجهزة الأمنية للتغطية على الجريمة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا