وضعت الأزمة الحادّة التي تعيشها الكويت، البلاد على مسار صدامٍ يبدو حتمياً، إلى درجة دفعت الأمير نواف الأحمد الصباح إلى التلويح بخيارات تضع «المتجاوزين» عند حدّهم، في ما رأى مراقبون أنه تحذير من خيارات كبرى، قد تصل إلى حدّ تعليق الدستور وتعطيل عمل مجلس الأمّة. وفي المقابل، تستعدّ المعارضة لخطوات تصعيدية في الشارع، بعد جلسة الثلاثاء التي أقرّ فيها مجلس الأمة ميزانية 2021 – 2022، من دون نقاش، في ما اعتبرته عملية تهريب مخالفة للوائح المجلس. السؤال المطروح حالياً هو إلى أين ستفضي النزاعات السياسية المتوالدة في هذا البلد، ولا سيما أن كلّ محاولات تهدئة الأزمة فشلت حتى الآن، فيما عاد شبح أزمة احتجاجات 2011 التي واكبت ما سُمّي «الربيع العربي»، يخيّم على البلاد؟ المعارضة تستشعر قوّتها منذ الانتخابات الأخيرة في كانون الأول الماضي، والتي تقول إنها أسفرت عن فوزها بـ31 عضواً من أصل 50 عضواً منتخباً، لكن واقع أن الوزراء هم بحكم الدستور أعضاء غير منتخبين في مجلس الأمة، يقلب الموازين لمصلحة الحكومة، بل إن مقرّبين من الأخيرة يضعون عدد النواب المعارضين عند 12 فقط، على أساس أن السلطة تستطيع إجراء مساومات مع برلمانيين يصنّفون أنفسهم في خانة المعارضة، فقط بهدف نيل مزيد من الشعبية. وتجد المعارضة التي تهيمن عليها القبائل، وعبرها «الإخوان المسلمون» والسلفيون، الفرصة مناسبة لإحداث تغييرات أساسية في النظام الكويتي تتيح للنواب المنتخَبين ممارسة تأثير أكبر في رسم سياسات البلاد. وقد استغلّت في تحرّكها هذا، وما زالت، عملية انتقال السلطة في العام الماضي مع وفاة الأمير صباح الأحمد، وتسلُّم نواف الحكم، إضافة إلى واقع تكرار الرحلات العلاجية التي يقوم بها الأمير إلى الخارج. وفي لهجة تحذيرية تنمّ عن ضيقه من المعارضة، قال الأمير الذي غادر الكويت في رحلة علاجية إلى ألمانيا ثمّ أوكرانيا، تاركاً البلاد بإدارة ولي العهد مشعل الأحمد الصباح، في حديث صحافي، إن «الكويت وأهلها أمانة في رقبتي، وخطّ أحمر لن نسمح بتجاوزه بأيّ حال من الأحوال. ولدينا من الإجراءات والخيارات ما يضع كلّ مَن يتجاوز عند حدّه». قبل ذلك، عقد الأمير اجتماعاً وُصف بأنه سلبي مع وفد من «جمعية الإصلاح» التي تُمثّل «الإخوان المسلمين»، فصيل المعارضة الرئيس في مجلس الأمة، حيث امتنع الديوان الأميري عن توزيع صورة للقاء، في إشارة إضافية إلى الاستياء. ومنذ الانتخابات، يصرّ النواب على استجواب رئيس الوزراء، صباح الخالد، تمهيداً لإقالته. وارتفعت وتيرة الأزمة بصورة تدريجية، إلى أن بلغت ذروتها في جلسة إقرار الميزانية. وتحاول الحكومة، عبر هذه الميزانية، تعزيز مالية الدولة ودعم اقتصادها الذي انكمش بنسبة 9.9 في المئة في 2020، بسبب انخفاض أسعار النفط وانتشار وباء «كورونا». فهي تتضمّن إنفاق 76.65 مليار دولار للسنة المالية التي بدأت في الأول من نيسان الماضي، وعجزاً قدره 40 مليار دولار، وقد أُعدّت على أساس سعر متحفّظ لبرميل النفط الكويتي يبلغ 45 دولاراً، علما بأن السعر الحالي للبرميل قريب من 73 دولاراً، ما يعني أن الميزانية لن تُحقّق فعلياً العجز المتوقّع، وربما تُحقّق تعادلاً أو حتى فوائض.
السيناريو الرئيس الذي يؤرّق الكثيرين هو انتقال المواجهة إلى الشارع


الخلاف الرئيس يكمن في أن المعارضة ترى أن الإنفاق الهائل عاماً بعد عام سببه الفساد الحكومي والهدر، وأن الميزانية لا تتضمّن حلاً للعجز المالي، بل فقط ضرائب جديدة وإعادة تسعير للدعم وخصخصة، بينما تعتبر الحكومة أن بند الرواتب المتضخّم جداً، وكذلك التقديمات الاجتماعية، هما السبب في هذه الفجوة في الميزانية. فعلى سبيل المثال، يطالب النواب بإسقاط القروض عن المواطنين، وهو مطلب ترى الحكومة أنه شعبوي يريد نوّاب المعارضة منه تعزيز قواعدهم الانتخابية، بينما يعتبره المعارضون جزءاً من عدالة منشودة في توزيع الثروة، ويتّهمون السلطة بمحاباة كبار التجار على حساب المواطن العادي. وأقرّ مجلس الأمة الميزانية بأغلبية 32 صوتاً، خلال الجلسة التي حضرها 63 عضواً، هم النوّاب الخمسون المنتخبون، والوزراء. وأخذت المعارضة على رئيس البرلمان، مرزوق الغانم، تحويل جلسة عادية إلى جلسة خاصة، ما سمح بالتصويت على الميزانية، ما ينزع الصفة القانونية عن الجلسة، بحسب نوابها. ومضت الجلسة، على رغم احتلال نواب المعارضة المقاعد المخصّصة للوزراء في المجلس، في تحرّك لجأوا إليه خلال الأسابيع الماضية لتعطيل الجلسات، ودفْع رئيس الوزراء إلى صعود منصّة الاستجواب. وعن ذلك، يقول النائب عبد الكريم الكندرى إن «الدعوة إلى الجلسة باطلة لأنها تمّت على أساس أنها جلسة عادية جرى العرف الدستوري ألّا يصوت الوزراء فيها، وتمّ تحويلها خلال الجلسة إلى خاصة، وهذه مخالفة». ويردّ الغانم بالقول إن «من حقنا أن نطلب جلسة خاصة، لأن كلّ الجلسات العادية تعطّلت».
وفي تصعيد إضافي، لوّح النائب المعارض، محمد براك المطير، بجلوس نواب المعارضة في مقاعد الوزراء خلال دور الانعقاد العادي الذي يحضر افتتاحه الأمير في تشرين الأول المقبل، ما سيُعتبر تحدّياً للأخير. وترى المعارضة أنه بعد جلسة الثلاثاء، لم تَعُد هناك من جدوى لمقاطعة الجلسات، وبات عليهم تغيير تكتيك المواجهة، واعتماد تصعيد الوزراء بالجملة والمفرّق إلى منصّة الاستجواب، وصولاً إلى رئيس الحكومة. لكن السيناريو الرئيس الذي يؤرّق الكثيرين هو انتقال المواجهة إلى الشارع، وهو ما أوحى به النائب المعارض، عبيد الوسمي، المنتخَب حديثاً، حين قال في تغريدة، معتذراً من الشعب الكويتي عن العجز في دفع مجلس الأمة إلى اتّخاذ الخيار الصحيح في التصويت على الميزانية 2021-2022: «تعرفون خصومكم وتعرفون أدواتهم والخيار لكم. فالمهزلة أكبر من الشرح». ويبدو أن ما يؤخّر مواجهة الشارع، ليس إلّا الحرارة التي تسجّل مستويات مرتفعة في أيام الصيف هذه، فاقت 53 درجة مئوية في بعض مناطق البلاد، بحيث يستحيل خروج تظاهرات في الشوارع حتى ليلاً. وكان الوسمي نفسه طرفاً في الاشتباك بالأيدي والعُقْل الذي جرى خلال الجلسة الأخيرة، والذي صار يتكرّر في جلسات مجلس الأمة، في إشارة إلى بلوغ الأزمة حدّاً من الاحتقان سيؤدي حتماً إلى صدام بين الجانبين.