يصرّ أصحاب معامل الأدوية في سوريا على قرار رفع التسعيرة، لما يقولون إنه انعدام الحلول أمام تكاليف الإنتاج المرتفعة، وخصوصاً أن كلّ تفاصيل هذه الصناعة مرتبطة بتقلّبات سعر الصرف، بدءاً من الموادّ الأولية وصولاً إلى التغليف الخارجي والطباعة. وما يزيد المشكلة تعقيداً العقوبات الاقتصادية الغربية التي تتعرّض لها البلاد، والتي تضاعف معاناة أصحاب المعامل في تأمين الموادّ الأولية لصناعتهم. إزاء ذلك، يترقّب السوريون قرار الحكومة الذي من المتوقّع أنه سيبتّ القضية، في ظلّ ترجيحات بإمضاء مسألة رفع الأسعار، وفق آلية تُمكّن المعامل من الاستمرار في عمليات الإنتاج.وفي تصريح إلى "الأخبار"، يلفت خبير تصنيع الأدوية في شركة "ميغا فارما"، رأفت النقري، إلى أن "كلّ أصحاب معامل الأدوية في سوريا يعانون من مشاكل مالية نتيجة تقلّبات سعر الصرف التي أوصلت هذه الصناعة إلى حائط مسدود، بفعل تضاعف أسعار المواد الأولية عالمياً"، ويضيف النقري إن "عمليات الشراء التي تقوم بها معامل الأدوية لا تزال تُموَّل من قِبَل المصرف المركزي السوري بسعر 1256 ليرة، وهذه مفارقة كبيرة باعتبار السعر الحالي للصرف هو 2500 ليرة، يضاف إليه التكاليف الباهظة لرسوم التحويل والتخليص". ويشير الخبير الدوائي إلى أن "البلاد تعاني من عقوبات أميركية وغربية، وعملية إيصال المواد الأولية مكلفة وتمرّ بطرق عديدة حتى تصل إلى المعامل، وخاصة خلال جائحة كورونا". ويبيّن أن "الزيادة المطلوبة في الأسعار لكي تبقى المعامل في طور العمل والإنتاج، هي 120%"، موضحاً أنه "حالياً يتمّ بيع الأدوية من دون أيّ هامش ربح، هذا الأمر لا يمكن أن يستمرّ. بعض المعامل مهدّدة بالإفلاس، وأخرى تنتظر نفاد المواد الأولية". ويضع النقري القضية في ملعب وزارة الصحة سواء لجهة قبول رفع الأسعار، أو السماح بتصدير الأدوية كونه يحقّق دخلاً لأصحاب المعامل بالعملة الأجنبية، معتبراً أنه "أمام هذا المشهد، يجب الإسراع في وضع الحلول، قبل نفاد المواد الأولية وانقطاع الأدوية عن الأسواق المحلية".
يترقّب السوريون قرار الحكومة الذي من المتوقّع أن يبتّ القضيّة في اتجاه رفع الأسعار


من جهته، يقول معاون وزير الصحة السوري لشؤون الصيدلة والدواء، الدكتور عبيدة قطيع، لـ"الأخبار"، إن "وزارة الصحة تُقدّم كلّ أشكال الدعم لنجاح صناعة الأدوية. وهناك مراسيم جمهورية تعفي المستوردات الطبية من الضرائب والرسوم بهدف التقليل من التكاليف، كما تمنع قرارات الوزارة دخول الأدوية الأجنبية لحماية الصناعة الوطنية، وهذا غير متاح في كثير من الدول المجاورة التي تبقي الأسواق مفتوحة من دون أي تدخّل، وهي تسمح بالتصدير لكلّ المعامل، البالغ عددها 70". ويبيّن قطيع أنه "خلال العام الحالي، بلغ عدد موافقات التصدير 169 موافقة، والكلام عن توقّف التصدير غير صحيح، وهو متاح ولكن بشريطة ضمان توفّر المادة المراد تصديرها في السوق المحلية". وحول مطالبة أصحاب المعامل بالموافقة على زيادة أسعار الأدوية، يؤكد قطيع أن "وزارة الصحة مدركة حجم الإنفاق الناتج من التكاليف التشغيلية والارتفاع العالمي للشحن بسبب جائحة كورونا، لذلك يقوم فريق وزارة الصحة بدراسة المطالب بشكل واقعي ودقيق، بناءً على التكاليف المرفقة بأسعار المواد الأولية المستوردة وتكاليف الإنتاج، بحيث يتمّ ضمان استمرار تأمين حاجة السوق المحلية من دون أن يتحمّل المواطن أعباء كبيرة". ويكشف أن "الوزارة تدرس طلبات أصحاب المعامل، وتأخذ بعين الاعتبار مصلحة المواطن في الحصول على الأدوية المضمونة وبسعر جيد، بحيث لا يكون هناك نقص".
وعلى رغم تعالي أصوات أصحاب معامل الدواء بالشكوى من المشاكل المتعلّقة بالتكلفة المرتفعة للإنتاج، إلا أن الصناعة الدوائية في سوريا لا تزال تُعدّ الأفضل والأرخص مقارنة بدول المنطقة، وهي شهدت تحسّناً كبيراً في ظلّ عودة معظم المعامل إلى الإنتاج، بعدما أُغلقت خلال الحرب. وربّما تحتاج مطالب أصحاب المعامل إلى دراسة حكومية واضحة، تصل في النهاية إمّا إلى دعمهم بسعر الصرف، أو عبر زيادة الأسعار بما يغطّي تكاليف الإنتاج ويحافظ على جزء من الأرباح، وبشكل لا يلقي بأعباء ثقيلة على كاهل المواطنين المنهكين اقتصادياً، بفعل الحرب والعقوبات والحصار.