تتسارع التطورات الخاصة بفلسطين. لم يكن أحد يتوقّع أن تتراجع الضغوط على قوى المقاومة بعد المواجهة الأخيرة. لا إسرائيل بصدد التنازل أكثر بعد الفضيحة التي أصابت جيشها وساعدت على إطاحة حكومتها، ولا حلفاء العدو في المنطقة والعالم سيُظهرون ارتياحاً لقدرة المقاومة على توسيع هامش المناورة. لكن الجميع يعرفون أن الأمور ليست رهن حسابات سياسية من فوق فقط، بل تتّصل أساساً بالواقع الميداني.كان العدو ومَن معه من فلسطينيين وعرب وأجانب يحرصون على القول إن اتفاق وقف إطلاق النار لم يتضمّن تفاهماً سياسياً يلزم إسرائيل بوقف كلّ نشاط في القدس. لكن هؤلاء كانوا يعون جيّداً أن المقاومة لا تحتاج إلى وثيقة مُوقّعة لتُلزم العدو بقواعد جديدة للاشتباك. وبهذا المعنى، تعرف المقاومة أن معركة تثبيت قواعد الاشتباك الجديدة تحتاج إلى جهود كبيرة، وإلى جولات إضافية من المواجهات، وهذا هو جوهر الإعلانات المتكرّرة من جانب قوى المقاومة، أنها في حالة جهوزية لاستئناف المعركة العسكرية إن حاول العدو إعادة الأمور إلى ما وراء 21 أيار الماضي.
هذا بالضبط ما يعيشه الجميع خلال الساعات الساخنة. في إسرائيل هناك ميل سياسي، وحتى لدى القوى السياسية، لعدم الرضوخ للمقاومة والتوقّف عن الأنشطة المعادية في القدس. حتى داخل أجهزة الأمن والشرطة والجيش، هناك مَن لا يريد منع المستوطنين بالقوة من الاقتراب من المسجد الأقصى والأحياء المجاورة له. لكن، في الكيان نفسه أيضاً، هناك جهات موجودة في الجيش وأجهزة الأمن وفي بقية الوزارات، تعرف أن الأمور تَغيّرت، وأن احتمال عودة المواجهة ليس افتراضاً خيالياً، بل هو أمر ممكن في لحظة واحدة، وبالتالي فإن إسرائيل تحتاج إلى ترتيبات كثيرة في جبهتَيها الداخلية والخارجية قبل الشروع في مواجهة جديدة.
من جانبها، لا تُظهر المقاومة في غزة وفي مناطق أخرى رغبة في العودة إلى الحرب فقط، لأجل تثبيت قدرتها على المواجهة، بل هي لا تمانع استثمار الانتصار والشروع في عملية إعادة الإعمار، وحتى ترتيب الوضع الفلسطيني. لكنها تعي أيضاً أنه في حال إصرار العدو وحلفائه من العرب والغربيين على مقايضة أهل فلسطين بحرمانهم من الإعمار والطعام إن واصلوا المقاومة، فإنها معنيّة بأن تفرض على العدو مقايضة من نوع آخر: الإعمار والطعام وحرمة القدس مقابل الأمن في الكيان.
هذه المرّة، على العدوّ النظر بعيون إضافية، لأن المشكلة صار بالإمكان أن تتجاوز مساحة فلسطين التاريخية، وليس قطاع غزة فقط!



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا