الشهيدان أدهم عليوي وتيسير عيسى، اللذان ارتقيا وهما يتصدّيان لاقتحام قوات الاحتلال الصهيوني لمدينة جنين مع الشهيد جميل العموري، هما اللذان يمثّلان «فتح» التاريخية، لا سلطة «التنسيق الأمني». الشهيدان هما، تباعاً، ملازم ونقيب في جهاز الاستخبارات العسكرية الفلسطينية، وينتميان إلى حركة «فتح». أمّا الشهيد العموري، فهو أسير محرَّر، وعضو في حركة «الجهاد الإسلامي». صحيح أن محمود عباس هو أحد القادة المؤسّسين لـ»فتح»، لكن النهج الذي اتّبعه قبل اغتيال القائد الشهيد ياسر عرفات، وأدّى إلى خلافه المعروف معه، وخاصة بعد هذا الاغتيال، عندما أصبح رئيساً للسلطة الفلسطينية، يشكّل انحرافاً كاملاً عن منطلقات «فتح» وأهدافها الأساسية. صحيح أن التيار الرئيس في قيادة «فتح» أخذ بخيار التسوية وإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، انطلاقاً من تقدير لموازين القوى الإجمالية يرى أن هذا أقصى ما يمكن تحقيقه، لكن أبو عمار لم يتردّد في التشجيع على انتفاضة ثانية، بعد فشل «قمّة كامب ديفيد» بينه وبين إيهود باراك وبيل كلينتون في آب 2000، والإيعاز إلى تنظيم «فتح» بالمشاركة فيها بقوة، عندما أدرك أن الصهاينة والأميركيين لن يوافقوا على قيام مثل هذه الدولة.استشهد ياسر عرفات بعد بقائه أكثر من سنتين محاصَراً في مبنى المقاطعة في رام الله، لأن القيادة الصهيونية علمت بأن لـ»فتح» دوراً مركزياً في المواجهة الشعبية والمسلّحة ضدّ جيش الاحتلال ومستوطنيه، وأيضاً في العمليات الاستشهادية في القدس المحتلة وتل أبيب. هي كانت تعرف بالصلات الوثيقة والعلاقة الأبوية التي تجمع بين الشهيد أبو عمار والشهيدَين جهاد العمرين ومروان زلوم، وهما من أبرز مؤسِّسي «كتائب شهداء الأقصى»، وارتقيا خلال الانتفاضة الثانية. لم يَعُد سرّاً اليوم قيام ياسر عرفات بتهريب السلاح بطائرته الخاصة استعداداً لاحتمال اندلاع نزاع مع المحتلين، وذلك قبل انفجار الانتفاضة الثانية، ولا الدور الذي اضطلع به أحد أبرز رجال ثقته، اللواء فؤاد الشوبكي، الذي بات شيخ الأسرى في سجون الاحتلال، في قضية «الباخرة كارين أ»، المُحمَّلة بالسلاح المرسَل من إيران إلى المقاومة الفلسطينية، والتي اعترضها الصهاينة. مع انطلاقة الانتفاضة الثانية، اتّخذ أبو عمار قراره باستخدام أساليب النضال كافة، السلمية والعسكرية، لدحر الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، واستُشهد وهو سائرٌ على هذا الدرب.
مضى على وصول محمود عباس والتيّار الذي يمثّل حوالى 17 عاماً، تمّ خلالها تحويل أجهزة السلطة الفلسطينية الأمنية إلى قوة رديفة للاحتلال، بدعم أميركي وغربي، بينما سرّع هذا الأخير مسار التطهير العرقي والاستيطان والضمّ في الضفة الغربية والقدس. غير أن حركة «فتح» ما زالت تضمّ في صفوفها العديد من الأوفياء لمنطلقاتها ولدماء شهدائها، وهم اليوم أمام فرصة تاريخية لتوحيد جهودهم مع بقية فصائل المقاومة، والتصدّي في الميدان لجيش الكيان الصهيوني ومستوطنيه. هؤلاء يعلمون أن ياسر عرفات وخليل الوزير، لو كانا حيّين، لكانا تقدّما صفوف المقاتلين، كما فعلا دائماً خلال الحروب والمعارك المتتالية التي خاضاها. هذا ما أكده يحيي السنوار، رئيس حركة «حماس» في غزة، بعد خروجه للتجوال في المدينة عند انتهاء الجولة الأخيرة من المواجهة مع الصهاينة، عندما قال إن «أبو جهاد وأبو عمار لو كانا على قيد الحياة، كانا سيقفان معنا هنا أو في غرفة عمليات فصائل المقاومة».