ثلاثة عشر استنتاجاً رئيساً هي حصيلة مسح «الأمن الغذائي»، الذي نفّذته هيئة تخطيط الدولة والمكتب المركزي للإحصاء، بالتعاون مع «برنامج الغذاء العالمي»، في نهاية عام 2020، وصدرت نتائجه أخيراً، إلا أنها لم تُنشر إعلامياً بعد. المسح الذي يُعدّ الرابع خلال سنوات الحرب، تُقدّم نتائجه صورة مأساوية للأوضاع الاقتصادية التي يعيشها السوريون، تحت ضغط عاملَين جوهريَّين: الأول، وهو الأساس، يتمثّل في حملة «التجويع» التي يقودها الغرب ضدّ السوريين بحجّة معاقبة النظام؛ والثاني، الذي لا يقلّ أهمّية عن السابق، يتمثّل في إفرازات سنوات الحرب، وفشل الإجراءات الاقتصادية الحكومية.أول تلك الاستنتاجات يشير إلى حدوث انخفاض كبير في مستويات الأمن الغذائي بين عام 2015، تاريخ إجراء المسح الأول، وعام 2020، تاريخ تنفيذ المسح الأخير. انخفاض يكمن سببه الرئيس في الارتفاع الكبير في أسعار السلع والخدمات، والمستمرّ منذ منتصف عام 2019، في وقت لم تشهد فيه الدخول ومصادر سبل العيش سوى ارتفاع محدود. وبحسب نتائج المسح التي حصلت «الأخبار» على نسخة منها، فإن 8.3% من الأسر التي شملها المسح تعاني من انعدام شديد في أمنها الغذائي، و47.2 % منها صُنّف أمنها الغذائي في خانة الانعدام المتوسّط، في حين أن 39.4% فقط تتمتّع بأمن غذائي مقبول، إلا أنها تبقى معرّضة لانعدام أمنها الغذائي نتيجة أيّ صدمة. أمّا الأسر الآمنة غذائياً فإن نسبتها لم تتعدَّ 5.1%. ومن المتوقّع أن تكون هذه النسب قد شهدت خلال الأشهر الأولى من العام الحالي تغيّرات متباينة في ظلّ استمرار موجة الغلاء.
وعلى صعيد التوزّع الجغرافي، تكشف نتائج المسح الأخير وجود ثلاث محافظات تزيد فيها نسبة الأسر الآمنة غذائياً عن المستوى الإجمالي المسجّل في البلاد، والبالغ 5.1 %، وهذه المحافظات هي دمشق، ريف دمشق واللاذقية. لكن في المقابل، هناك سبع محافظات ترتفع فيها نسبة الأسر التي تعاني من انعدام شديد في أمنها الغذائي عن المستوى الإجمالي للبلاد البالغ 8.3 %. وهذه المحافظات هي: دير الزور، الرقّة، حماة، القنيطرة، حلب، درعا والحسكة. غير أن النسبة الأكثر انتشاراً في مختلف المحافظات كانت للأسر المتوسّطة انعدام الأمن الغذائي، والتي لم تقِلّ في أيّ محافظة عن 40.2%، حيث وصلت في كلّ من درعا واللاذقية إلى 64.5 %، في حين اقتربت من النصف في العديد من المحافظات، لتقارب بذلك المستوى الإجمالي للبلاد البالغ 51.1%. ويَظهر التباين في مستويات الأمن الغذائي جغرافياً، أيضاً، عند المقارنة بين المناطق الحضرية ونظيرتها الريفية، إذ إن نسبة الأسر الآمنة غذائياً في الأولى بلغت حوالى 6.2%، مقابل 4.2% في الأخيرة. كما أن نسبة الأسر الشديدة انعدام الأمن الغذائي في المناطق الحضرية أقلّ بحوالى نقطتَين مئويتَين من نسبتها في المناطق الريفية. وهو ما يعني، من وجهة نظر الفريق البحثي المُنفّذ للمسح، «ضرورة ردم الفجوة الغذائية، وتركيز الجهود أكثر على المناطق الريفية».

النزوح والعودة
في ما يتعلّق بتأثير عامل الاستقرار المكاني للأسر على أمنها الغذائي، يتبيّن، وفقاً للمسح، أن نسبة الأسر النازحة من إجمالي عدد الأسر التي شملها المسح وصلت إلى 13%، في انخفاض واضح عمّا كانت عليه في مسح عام 2015، حيث بلغت حوالى 21%. كما أن نسبة الأسر التي خاضت تجربة النزوح، وعادت إلى مناطق سكنها، ارتفعت من حوالى 2% في عام 2015 إلى حوالى 13.8% في عام 2020، وهذا يعني، برأي الفريق الباحث، أن «قرابة ثلاثة أرباع الأسر حافظت على الاستقرار في أماكن إقامتها المعتاد». ووفقاً للنتائج، فإن نسبة الأسر الآمنة غذائياً، سواءً بين المستقرّين في مناطق سكنهم أو النازحين إلى تلك المناطق، بلغت حوالى 5.2%، في حين تتدنّى النسبة لدى العائدين إلى مناطقهم إلى حدود 4.2%، «نظراً إلى توجيه هذه الأسر قسماً من دخولها لترميم المنازل والإنفاق على خدماتها، على حساب ما يمكن تخصيصه للإنفاق على الغذاء». كذلك الأمر في ما يخص مؤشّر شدّة انعدام الأمن الغذائي، والذي سجّل أعلى معدّل في أوساط الأسر العائدة، حيث تُظهر النتائج أن 15% من هؤلاء يعانون من انعدام أمن غذائي شديد، فيما النسبة نفسها لم تتجاوز 10.7% لدى الأسر النازحة، وتتدنّى لدى الأسر المقيمة لتصل إلى حدود 6.6 %.
السبب الرئيس في هذا الواقع يتمثّل في حملة «التجويع» التي يقودها الغرب ضدّ السوريين


الحرمان من الغذاء
يحاول المسح، من جانب آخر، قياس درجة حرمان الأسرة من الغذاء، وذلك من خلال مقاربته لثلاثة مؤشّرات فرعية هي: القدرة على الإنفاق على الغذاء (متوسّط إنفاق الفرد على الغذاء)، تكرار حرمان أفراد الأسرة (فرد واحد أو أكثر) من الحصول على الغذاء لفترة معينة، وعدد الوجبات اليومية التي حصلوا عليها. وعليه، فقد صنّف المسح الأسر المحرومة من الغذاء إجرائياً إلى ثلاثة مستويات: الأكثر حرماناً، المتوسّطة الحرمان، والنادرة الحرمان. وبحسب النتائج، فإن نسبة الأسر الأكثر حرماناً بلغت حوالى 30.7% (كانت 22% عام 2015)، علماً أن مردّ تصنيفها هذا اضطرارها لعدم تناول الطعام لأكثر من 10 مرّات خلال الشهر السابق لتنفيذ المسح ميدانياً. أمّا الأسر المتوسّطة الحرمان، فهي التي تَكرّر عدم تمكّنها من الحصول على الغذاء من 3 إلى 10 مرات خلال الشهر المذكور، وقد بلغت نسبتها حوالى 33.7 % (أقلّ من النسبة المسجّلة عام 2015 والبالغة حوالى 47%). وبالنسبة إلى الأسر النادرة الحرمان، والتي تَكرّر عدم تمكّنها من الحصول على الغذاء لمرّة واحدة أو لمرّتين فقط خلال الشهر السابق لتنفيذ المسح، فقد شكّلت نسبتها حوالى 36%، بعد أن كانت عام 2015 حوالى 31%.
وفي إشارة واضحة إلى حجم معاناة الأسر في توفير لقمة عيش أفرادها، يرصد المسح ثلاثة من سلوكيّات التأقلم. فمثلاً، هناك أسر اضطرّت إلى بيع الأصول الأسرية كالسلع المعمّرة لشراء الطعام، وفي الوقت نفسه تخفيض الإنفاق على المواد والخدمات غير الغذائية كالصحة والتعليم (بلغت نسبتها حوالى 28.1%)، فيما أسر أخرى وجدت نفسها مجبرة على بيع الأصول المنتِجة أو المستخدمة في الإنتاج (كآلة خياطة، دراجة، سيارة، مواشٍ...)، وإخراج الأطفال من المدرسة، والبحث عن بدائل للعمل (حوالى 23.2%). أمّا النوع الثالث، فكان عبارة عن سلوكيات تأقلم طارئة نتج منها بيع منزل أو أرض، وهجرة أحد أفراد الأسرة (حوالى 8.1%). أمّا نسبة الأسر التي لم تلجأ نهائياً إلى أيّ نمط أو سلوك من سلوكيات التأقلم، فبلغت 40.7، وهي أقلّ من تلك المُسجّلة عام 2015 (44%).

مصادر الدخل
ما هي مصادر الدخل التي يعيش عليها السوريون هذه الأيام؟ سؤال حاول المسح تقديم إجابة علمية من خلال فصله الأخير الذي حمل عنوان «سبل العيش ومصادر الدخل والمساعدات الإنسانية»، حيث بيّنت النتائج أن 37.3% من الأسر تعتمد في إنفاقها على مصدر وحيد للدخل، و43.9% تعتمد على مصدرَين للدخل، وحوالى 18.9% لديها ثلاثة مصادر أو أكثر. ويُلاحظ أن الأسرة السورية تعتمد أساساً في دخلها على الرواتب والمعاشات التقاعدية، حيث بلغت نسبة هذه الأسر حوالى 27.7%، تليها تلك التي تعتمد على الاستدانة أو الاقتراض بنسبة 11.5%، ثمّ الأسر التي تعتمد على بيع المحاصيل وتربية الحيوانات وصيد السمك بنسبة بلغت حوالى 9%، ثمّ التي تستند إلى العمالة الماهرة لأفرادها بنسبة 7.2%، وأخيراً التي تتّكل على التحويلات الخارجية بنسبة حوالى 4.5%.