بعد أيام عدة من المواجهات بين المتظاهرين وعناصر الشرطة، التي أعلنت السلطات على إثرها حظر تجوال ليلي لمدة غير محددة، ساد أمس هدوء نسبي العديد من المدن والبلدات التونسية، وذلك بعد اعتقال مئات المحتجين الذين تحدوا حظر التجوال، ليبقى جمر الاحتجاجات متّقداً تحت الرماد، مع خلو خطاب أركان الحكم من أي إجراءات جدية بشأن المطالب الاجتماعية.
وكانت التحركات الاحتجاجية قد تواصلت، في بعض المدن والأحياء التونسية، رغم حظر التجوال الليلي الذي أعلنته وزارة الداخلية يوم الجمعة الماضي، حيث أقدمت مجموعة من الشباب، في وقت متأخر مساء الجمعة، على حرق عجلات مطاطية وقطع الطرقات في حيّ التضامن، أكبر الأحياء الشعبية في تونس العاصمة، قبل أن تتدخل قوات الأمن، مدعومة بمروحيات عسكرية، لتقتحم الحيّ وتفرق المحتجين وتوقف بعضهم. وفي الوقت نفسه، شهدت أيضاً مناطق عدة من العاصمة قطعاً للطرقات بالإطارات المشتعلة ومناوشات مع قوات الأمن التي انتشرت في مختلف أحياء العاصمة، في ظل تحليق مكثف للطوافات العسكرية.
الصيد: سنهزم التيارات التي تريد تغيير النظام

وأعلنت وزارة الداخلية التونسية يوم الأول من أمس توقيف 423 شخصاً على خلفية الاضطرابات التي تشهدها البلاد، متهمة الموقوفين بـ«التورط في أعمال عنف وشغب ونهب، في كافة الولايات، منذ بداية الاحتجاجات». وأفاد المكلف الشؤون القانونية والعلاقة مع الإعلام في الوزارة، وليد اللوغيني، عن «تسجيل 109 إصابات في صفوف عناصر الأمن والحرس» في الأيام القليلة الماضية. وفي مدينة القصرين، في وسط البلاد الفقير، حيث انطلقت الحركة الاحتجاجية على التهميش الاجتماعي والفقر، بدت الحياة يوم الأول من أمس وكأنها عادت إلى طبيعتها، بعد أن نظم سكان وشبان شاركوا في الاحتجاجات حملة لتنظيف الشوارع من مخلفات قطع الطرقات والصدامات مع قوى الأمن.
وكان رئيس الوزراء التونسي، الحبيب الصيد، قد دعا التونسيين يوم السبت الماضي إلى «الصبر»، بعد أسبوع من الاحتجاجات الاجتماعية غير المسبوقة منذ ثورة 2011، وذلك من دون أن يعلن أي إجراءات ملموسة للتصدي لمشاكل البطالة والفساد. بل حضّ الصيد مواطنيه على «الإدراك أن هناك صعوبات»، مضيفاً أن «الحلول موجودة، لكننا نحتاج إلى التحلي بالصبر والتفاؤل». واتهم الصيد أطرافاً «هدامة» بالوقوف وراء تأجيج الوضع في البلاد، وقال: «سنهزم هذه التيارات التي تريد تغيير النظام في البلاد وفرض نظامها من خلال استغلال تحركات الشباب».
وفي مقابل الحزم الذي أبدته باتخاذها إجراءات أمنية فورية، لم تعلن الحكومة التونسية أي إجراءات سريعة في غير هذا المجال. ورأى المحلل السياسي، سليم الخراط، أن تصريحات أقطاب الحكم جاءت مخيبة للآمال، قائلاً إنه «لم يفاجأ» بعدم إعلان أي إجراءات، وإنه «لو كانت الحكومة تملك حلولاً لطرحها، لفعلت قبل اندلاع الأزمة». ورأى الخراط أن الصيد «كان بإمكانه اتخاذ إجراءات غير مكلفة» ضد الفساد، غير أنه «فوت فرصة إعطاء إشارة إيجابية».
ولم يفلح في تغيير هذه الصورة لدى الكثيرين قول الوزير المكلف العلاقات مع المجتمع المدني، كمال الجندوبي، إن رئيس الوزراء لن يتأخر في إعلان تدابير من أجل «الشباب والتوظيف وتولي الأوضاع الصعبة»، خاصة أن الصيد كان قد أعلن، يوم الجمعة الماضي، أنه لا يملك «عصاً سحرية» لتأمين الوظائف للجميع في الوقت نفسه. وذلك فيما دعت أحزاب الائتلاف الحاكم إلى تنظيم ندوة وطنية حول التشغيل في أقرب وقت، مؤكدة «مشروعية مطالب الجهات المحرومة، وتعهدها العمل مع الحكومة ومجلس نواب الشعب لاستئصال آفة الفساد ورفع القيود الإدارية ومراجعة القوانين والتشريعات المعرقلة للاستثمار الداخلي والخارجي». ودعت أحزاب الائتلاف الحكومة لإعادة ترتيب أولوياتها، وإقرار إجراءات عاجلة ذات مردودية مباشرة على التشغيل. وفي الوقت نفسه، أدانت الأحزاب المذكورة «أعمال العنف والتخريب التي شهدتها عديد من المناطق في البلاد».
من جهته، دعا الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، التونسيين إلى «عدم إضاعة بلدهم» وضرورة تفهم صعوبة الأوضاع الاقتصادية في العالم أجمع. وقال السيسي في خطابه في أكاديمية الشرطة يوم الأول من أمس: «أنا لا أتدخل في الشأن الداخلي لأشقائنا في تونس، لكن أقول لهم إن الظروف الاقتصادية صعبة جداً في كل العالم، (فـ)حافظوا على بلدكم».
وأتى كلام السيسي في ظل خشية البعض، و«تفاؤل» البعض الآخر، بانتقال «عدوى» الاحتجاجات في تونس إلى أقطار عربية أخرى. وأمس شهدت المغرب ظاهرة لآلاف المعلمين المتدربين وأسرهم، في شوارع العاصمة الرباط، وذلك احتجاجاً على خطط حكومية لخفض الوظائف في قطاع التعليم، متحدّين حظراً رسمياً للتظاهرات.

(الأخبار، أ ف ب، الأناضول)