في نهاية حكم محمد حسني مبارك، كانت المخابرات العامة تسعى إلى تثبيت حضورها في الإعلام. وقد تمثّلت بوّابة الدخول آنذاك، عبر التلفزيون الرسمي، بشاشات كبيرة جرى تجهيزها واستوديو عالمي نفّذته المخابرات التي لا يستطيع أحد أن يسأل أو يفتّش وراءها. في ذلك الوقت، أَسند رئيس قطاع الأخبار، عبد اللطيف المناوي، تنفيذ الاستوديو ذي المعايير العالمية إلى المخابرات بالأمر المباشر، لتبدأ ما سُمّيت "خطّة تطوير" عرقلتها «ثورة يناير». بعد سنوات قليلة، أعادت المخابرات الكرَّة، لكن عن طريق المنافسة بقناة إخبارية جديدة ضمن سلسلة قنواتها "dmc" التي أُنفقت عليها ملايين الجنيهات. استمرّ عمل المحطّة عامَين متتاليَين من دون أن تخرج للبثّ المباشر، قبل أن يُتّخذ قرار بأن تتحوّل إلى ماضٍ يجب التخلّص منه، وتنتقل معدّاتها إلى قناة «إكسترا نيوز»، من دون أن يُحاسَب أحد على ملايين الجنيهات التي أُنفقت على الرواتب والإيجار والمعدّات، من دون فائدة.المصير نفسه يبدو أنه يتهدّد القناة الإقليمية الجديدة التي أُعلن الاستعداد لإطلاقها في الربع الأول من 2022، بعد تحضيرات سرّية منذ العام الماضي، وخاصة مع استحالة قدرة الأطقم الحالية، سواء في «إكسترا نيوز» أو في "dmc"، على إخراج القناة الجديدة إلى النور. والمطلوب من هذه القناة أن تكون قادرة على منافسة «الجزيرة» و«العربية»، ما أوجب اتفاقات مبدئية على وجود مكاتب لها في مواقع مهمّة حول العالم بين واشنطن وباريس وبرلين، إضافة إلى عواصم عربية. وقد بدأت عمليات التواصل لاستئجار مكاتب يمكن البثّ منها بإيجارات باهظة لم تعرفها أيّ من المؤسسات المصرية. ويجري التخطيط لإطلاق القناة بسرّية كاملة، كما تنقل مصادر، فيما يشرف على الترتيبات ألبيرت شفيق، وهو رئيس قناة «أون» والرئيس السابق لقناة «أون لايف» الإخبارية، والذي باتت المخابرات تعتمد عليه. وهو أوكل إلى نجله في باريس، كريم، اختيار بعض الشخصيات، بِمَن فيهم زملاؤه في الجامعة أو الخرّيجون في الجامعة الأميركية في القاهرة، من أجل تدريبهم ليقدّموا قناة بمعايير عربية خاصة، ويعوّضوا عنصر نقص اللغة الذي لا يتوافر في معظم العاملين في المحطّات الإخبارية المصرية.
المطلوب من القناة الجديدة أن تنافس «الجزيرة» و«العربية» إقليميّاً


ولم يتحدّد الموعد المقترح لبدء البثّ، والذي تفاجأ به كثيرون، إلّا بعد تحضيرات استمرّت شهوراً، وخطوات على الأرض تمّ تنفيذها بالفعل، من بينها شراء معدّات بعشرات آلاف الدولارات، دخلت إلى مصر في الأسابيع الماضية لمصلحة «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية»، وستكون ملكاً للقناة الجديدة، بعدما حصلت على إعفاءات جمركية عبر المنطقة الاستثمارية الحرّة. ويراجع رئيس القطاع المالي، أيمن بديوي، تفاصيل العديد من الاتفاقات والتعاقدات لمصلحة القناة الجديدة، وخاصة مع العمل على استعادة اشتراكات سابقة في وكالات أجنبية، بينها «رويترز»، وعقد لقاءات بمسؤولين من شركات أجنبية من أجل الحصول على لقطات من بعض الفعاليات الرياضية والترفيهية في أوروبا، علماً بأن بعض هذه الشركات كانت لها ديون جرت تسويتها خلال الأعوام الثلاثة الماضية، إلى جانب إنهاء التعاقد مع غير المستغلّ منها. وكانت عقود الوكالات الإخبارية التي تأخّرت «المتّحدة» في تسويتها في السابق، قد دفعت مؤسّسات على غرار «رويترز» إلى طلب ضمانات بالالتزام في السداد (قيمة التعاقد البالغة 187 ألف دولار سنوياً، تأخّرت الشركة لأكثر من عام عن تسديدها، مع الدخول في دوّامة تأجيل).
وعلى رغم أن ألبيرت شفيق يحظى بثقة من الإعلاميين، لكن الطريقة التي يجري العمل بها وما يشوبها من شبهات إهدار الأموال في اتفاقات قانونية وإيجارية عبر وسطاء محدّدين، ولا سيما في فرنسا والولايات المتحدة، يُتوقّع أن تكون سبباً رئيسيّاً في إطاحته في أيّ وقت. على أيّ حال، تعتمد الرؤية الحالية على أن القناة يفترض أن تبدأ العمل تجريبياً نهاية العام الحالي على أقصى تقدير، وهي تحتاج إلى شهرين من أجل تأكيد جميع التفاصيل الفنّية الخاصة بها، لكن ثمة توقّعات بإرجاء إطلاقها حتى خريف 2022 ليكون كوادرها جاهزين.