القاهرة | على رغم غموض الموقف السياسي في الداخل الإسرائيلي، وتوسّع احتمالات الإطاحة برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلّا أن مصر تُفضّل الاستمرار في التنسيق معه حتى آخر لحظة، لأسباب عدّة في مقدّمتها رغبتها في إنجاح الوساطة التي تقوم بها مع الأطراف الفلسطينية، آملة في إقناعها بالاستجابة لمطالبها، خصوصاً في ما يتعلّق بصفقة تبادل الأسرى. من جهته، يراهن نتنياهو على هذه الصفقة وأمور أخرى للبقاء على رأس الحكومة، ولذا فهو يحاول الاستثمار في الاندفاعة المصرية في ملفّ العلاقة مع «حماس»، والذي تحاول مصر تحقيق «مكاسب» فيه، ترى أنها ستظلّ بمثابة «مزايا» للفلسطينيين يمكن البناء عليها في المستقبل القريب سواءً بَقِي نتنياهو أم غادر منصبه، وهو ما ظهر واضحاً في طريقة التعامل المصري مع زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي، غابي أشكنازي للقاهرة أمس.[اشترك في قناة ‫«الأخبار» على يوتيوب]
لم يحظَ أشكنازي، الذي حطّت طائرته في القاهرة بالتزامن مع وصول مدير المخابرات المصرية عباس كامل إلى تل أبيب، باستقبال جيّد على المستوى الرسمي، إذ كان في استقباله في المطار مسؤولو إدارة المراسم في وزارة الخارجية المصرية وسفيرة إسرائيل لدى مصر، بينما جرى اللقاء بينه وبين نظيره المصري، سامح شكري، على استحياء، ومن دون ضجيج إعلامي كما جرت العادة. ساعات قليلة قضاها غانتس في القاهرة ناقش فيها أموراً عدّة مع نظيره المصري ومع الوفد الذي التقاه، في مقدّمتها تصوّرات استئناف «عملية السلام»، وطبيعة المباحثات التي يمكن إجراؤها مع الفلسطينيين خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى العقبات التي تعترض هذه المباحثات. وفي هذا الإطار، تحدّث شكري عن استحالة بقاء الوضع على ما هو عليه، ليس في غزة فقط ولكن في القدس أيضاً. ودعا إلى تغليب ما سمّاها «لغة الحوار»، لأن «المنطقة لا يمكنها تحمّل صراع طويل الأمد بين إسرائيل والفلسطينيين، سواءً في غزة مع حركة حماس أو حتى في القدس»، بحسبه. كما تحدّث عن «حق تل أبيب في أن توضح مطالبها قبل استئناف المفاوضات بشكل مباشر أو غير مباشر، بشرط أن تكون هذه المطالب منطقية، وليس فيها إجحاف بحق الأطراف الأخرى».
المشترك الرئيس بين مباحثات أشكنازي في القاهرة، وعباس كامل في تل أبيب، كان تثبيت الهدنة بالتوافق على وقف دائم لإطلاق النار لمدّة زمنية معيّنة، إلى جانب بحث صفقة تبادل الأسرى التي جرى الاتفاق على صياغتها الأوّلية خلال الفترة الماضية، وسط محاولات من أجل إنهائها في أسرع وقت. وفي مقابل تعهّدات مصرية بالعمل على إيقاف إطلاق الصواريخ من غزة، طلب كامل من نتنياهو وقف الاستيطان بشكل كامل، والعمل على البدء في مسار سياسي في المرحلة المقبلة، فضلاً عن ضرورة التهدئة في القدس وعدم التحرّك لتغيير الأوضاع القائمة، كما الامتناع عن تنفيذ أيّ عمليات استهداف لقادة حركة «حماس»، محذّراً من أن هكذا عمليات تهدّد بنسف المفاوضات القائمة.
كامل الذي حمل رسائل السيسي إلى نتنياهو، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في رام الله، حمل أيضاً دعوة إلى قادة من حركة «فتح» لزيارة القاهرة خلال الأيام المقبلة. وهي دعوة يبدو أنها مرتبطة بملفّ المصالحة، التي ستسعى القاهرة إلى إتمامها، في ظلّ تعهّدات من قِبَلها بالبدء الفوري غير المشروط في عملية إعادة إعمار قطاع غزة، بما يسرّع في إنهاء المعاناة الإنسانية في القطاع. وفي هذا الإطار، ستسبق اجتماعاتُ الفصائل الفلسطينية في القاهرة، إطلاقَ صافرة إعادة الإعمار، التي يجري التنسيق في شأنها بين مصر والأردن وقطر، فضلاً عن السلطة مُمثَّلة في اللواء ماجد فرج، مدير المخابرات العامّة الفلسطينية. على أن ما تخشاه القاهرة في الوقت الحالي مرتبط بمصير نتنياهو، الذي سيتحدّد خلال ساعات. إذ إن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد يدفع نحو تصعيد جديد في غزة من أجل محاولة البقاء على رأس السلطة، فيما التحرّكات المصرية الجارية، ومن بينها اتصالات الساعات الماضية مع الجانب الأميركي، تستهدف منع مثل هذه الخطوة.