كما كان متوقّعاً، فشل "ملتقى الحوار السياسي" الليبي في تحقيق توافق في شأن القاعدة الدستورية التي ستُجرى على أساسها الانتخابات المقبلة، وذلك بعد مناقشات وسجالات استمرّت على مدى ثلاثة أيّام، وسط مراقبة أممية لتفاصيل المناقشات بين أعضاء الملتقى الذين يرغب بعضهم في تمديد مهمّة الحكومة الانتقالية، وإرجاء الانتخابات، وهو الأمر الذي لا يزال يلقى رفضاً أممياً. فشلٌ سيدفع ملتقى الحوار إلى إرجاء الحلول في انتظار مخرجات "مؤتمر برلين 2" الذي سيُعقد الشهر المقبل، برعاية المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ونظرائها الأوروبيين وعدد من الدول العربية المعنية بالملفّ الليبي، بهدف متابعة المسار السياسي الذي يدفع بعض الأطراف إلى إتمامه في أقرب وقت ممكن.[اشترك في قناة ‫«الأخبار» على يوتيوب]
ورفض المبعوث الأممي إلى ليبيا، يان كوبيش، في كلمته الختامية، ما جرى من مناقشات تتجاوز جدول الأعمال المتَّفق عليه سَلَفاً، مؤكداً ضرورة الانتهاء من اعتماد القاعدة الدستورية في المواعيد المتَّفق عليها، حيث يُفترض أن يكون شكل النظام السياسي مستقراً وواضحاً من قِبَل الملتقى في غضون الأسابيع المقبلة، من أجل التجهيز للعملية الانتخابية التي ستسلّم السلطة بشكل كامل إلى نظام معترف فيه دولياً، للمرّة الأولى منذ إطاحة نظام معمّر القذافي قبل عشر سنوات.
وشهدت الجلسات مناوشات مرتبطة خصوصاً بالخلافات حول تفاصيل العملية الانتخابية، وما إذ كان يُفترض أن تُجرى الانتخابات استناداً إلى دستور جديد يستلزم الدعوة إلى استفتاء قبل الاستحقاق الانتخابي المحدَّد يوم الـ24 من كانون الأول/ ديسمبر المقبل، أو اعتماد قاعدة دستورية موقّتة من قِبَل الملتقى يُجرى على أساسها الاقتراع، على أن يُرحَّل الاستفتاء على الدستور إلى وقت لاحق. وعلى غرار الأزمات التي سبقت تسمية وزراء الحكومة العتيدة، شهدت آراء أعضاء الملتقى انقسامات في عدّة قضايا جوهرية، في مقدّمها صلاحيات الرئيس وآلية انتخابه المحصورة، في الوقت الحالي، بين الانتخاب المباشر من الشعب، أو الانتخاب من قِبَل مجلس النواب، بالإضافة إلى الصلاحيات التي سيتمتّع بها، وما إذ كان شكل النظام المقبل رئاسياً أو برلمانياً أو مختلطاً.
وفي ما اعتبره البعض محاولات للإقصاء، جرى نقاش موسَّع حول مدى أحقيّة مزدوجي الجنسية الترشُّح للانتخابات، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المتزوجين من أجنبيات/ أجانب. ويتحجّج المطالبون بمنع هؤلاء من الترشُّح، بالمصلحة العليا للدولة، وبسريان هذه القاعدة في دول عربية وأجنبية.
لا يزال الخلاف قائماً حول صلاحيات الرئيس وآلية انتخابه وشكل النظام السياسي المقبل


ويأتي ذلك في الوقت الذي دخلت فيه قوات المشير خليفة حفتر على خطّ الأزمة، عبر بيان صادر عن الناطق باسمها، أحمد المسماري، الذي اتّهم بعض الأطراف بالسعي إلى تعطيل الانتقال السياسي في البلاد، وعرقلة الانتخابات الرئاسية والنيابية، معتبراً أن هناك مَن يريد استمرار الفوضى وعدم تحقيق الانتقال السلمي للسلطة. وجاء البيان مخالفاً لقرار رئيس "المجلس الرئاسي" والقائد الأعلى للجيش، محمد المنفي، منعَ جميع العسكريين من الإدلاء بأيّ تصريحات، في حين لا يزال المشير وقواته يرفضون الانخراط بعملية الانتقال السياسي بشكل كامل، وما تتضمّنه من تسليم سلاحهم للحكومة المركزية في انتظار استتباب نظام مستقرّ، وذلك في ظلّ مخاوف لا تزال قائمة حول آلية التعامل معهم، نظراً إلى تحكُّمهم بمساحة كبيرة من غرب البلاد.
وتحاول الحكومة الليبية العمل بشكل طبيعي بعيداً من الأزمات القائمة في المسار السياسي، وخصوصاً وزيرة الخارجية، نجلاء المنقوش، التي استقبلت نظيرها القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في طرابلس، في إطار لقاءات تُجريها، وتهدف إلى استعادة عمل البعثات الدبلوماسية الأجنبية، فيما يحاول رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، تأجيل القضايا الخلافية، وعدم التطرُّق إلى أيّ أحاديث عن الانتخابات في انتظار ما سيسفر عنه "ملتقى الحوار السياسي".