بغداد | بدت المواجهة المسلحة، أمس، بين فصائل المقاومة من جهة، وبعض القوات الأمنية العراقية من جهة أخرى، قاب قوسين أو أدنى، غداة اعتقال قائد محور الأنبار في «الحشد الشعبي»، قاسم مصلح. المذكّرة الصادرة بحق مصلح تحمل تاريخ 21 أيار 2021، لكن تنفيذها تأجّل 4 أيام، وهو ما يجعل الشكوك حاضرة في استخدام اعتقال قاسم مصلح ورقة سياسية ضدّ مناصري «الحشد» من جهة، ولصرف النظر وإبعاد الضغط الشعبي والإعلامي عن حكومة رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، بعد يوم من سقوط قتلى وجرحى في ساحة التظاهر في العاصمة العراقية بغداد، من جهة أخرى.[اشترك في قناة ‫«الأخبار» على يوتيوب]
قصة اعتقال مصلح بدأت في صباح يوم الأربعاء، عندما داهمت قوة أمنية محلّ إقامته في منطقة الدورة في بغداد، تنفيذاً لمذكّرة إلقاء قبض بحقّه، من دون إشعار مديرية الأمن والانضباط في «هيئة الحشد الشعبي» بذلك. «التهم» التي وُجّهت إلى مصلح تركّزت على ضلوعه في استهداف قاعدة عين الأسد غرب العراق، وقتْل ناشطين مدنيين في محافظة كربلاء. لكنّ مصدراً مطّلعاً قال، لـ»الأخبار»، إن «الاتهامات المُوجَّهة ضدّ مصلح لا أساس لها من الصحة، ولو افترضنا صحّة ما ذهبت إليه مذكّرة الاعتقال، كان الأجدر تكليف مديرية أمن الحشد الشعبي، كون اللجنة التي يرأسها أحمد أبو رغيف تقتصر صلاحياتها على محاسبة المتهمين بالفساد». وأكد المصدر أن «ما فعله أبو رغيف ولجنته مخالف للقانون والدستور والإجراءات القضائية».
وطالبت فصائل عراقية، حكومة الكاظمي، بإطلاق سراح مصلح أو تسليمه لمديرية أمن «الحشد الشعبي»، لكن الكاظمي ذهب بعيداً عن هذه المطالبة، وقرّر تشكيل لجنة مشتركة من مؤسّسات أمنية وعسكرية للتحقيق في القضية. وتكوّنت اللجنة من الاستخبارات العسكرية العراقية واستخبارات وزارة الداخلية والعمليات المشتركة، إضافة إلى «الحشد». ويقول مصدر حكومي مطّلع، لـ»الأخبار»، إن «خيار الكاظمي تشكيل هذه اللجنة الثلاثية يأتي لضمان نزاهة التحقيق، وخشية أن يتمّ الإفراج عن مصلح في ما لو تسلّمته مديرية أمن الحشد الشعبي». ويضيف المصدر أن «الأنباء التي أشيعت عن إخلاء سبيل قاسم مصلح غير دقيقة مطلقاً، ولا يزال الرجل محتجزاً في قيادة العمليات المشتركة». ويعتبر أن «تركيز إعلام الفصائل على قضية إطلاق سراح مصلح يدخل في خانة كسر الكاظمي إعلامياً، ومحاولة إحراجه أمام الشارع الناقم على تعاطي الحكومة مع ملفّ حماية التظاهرات». وبينما شهدت المنطقة الخضراء في قلب العاصمة بغداد إغلاقاً تامّاً خشية اقتحامها من قِبَل الفصائل ومناصري «الحشد»، أظهرت هذه التطوّرات حالة تخبّط يعانيها كيان «الحشد» بعد استشهاد أبي مهدي المهندس، كون الجهاز العسكري يفتقر إلى رجل يخلف المهندس في قضية التعامل مع الدولة ومأسسة «الحشد»، وإبعاده عن الصراعات السياسية والانتخابية.
وتوازياً مع تأزّم الوضع الأمني في بغداد، كانت هناك ضغوطات مختلفة على الحكومة، فيما برز انقسام بين مؤيّد للكاظمي وآخر رافض لعملية الاعتقال، باعتبار أنها تخلق أزمة جديدة وتفرض حدود مواجهة قد تتطوّر في ما بعد إلى فوضى داخلية. لكن، وبحسب مصدر مطّلع تحدّث إلى «الأخبار»، فإن الكاظمي تلقّى اتصالات من قيادات سياسية عراقية لتسوية الأمور عبر تهدئة تُرضي الطرفين وتُجنّبهما الخسائر. وبالإضافة إلى تلك الوساطات، جرت اتصالات بالكاظمي من قِبَل أطراف إقليميين لإغلاق ملفّ مصلح، وإنهاء حالة التصعيد قبل أن تتطوّر المواجهة إلى حالة مسلّحة ودورة فوضى جديدة. لكن من جملة المعطيات التي سجّلتها القوى المستفيدة من هذا التصعيد، هو كسبها لرهان تأجيل الانتخابات المبكرة. فالبرغم من إصرار الكاظمي وحكومته على إجرائها في موعدها في تشرين الأول 2021، إلا أن ما حدث من تطورات أمنية قد يدفع بسيناريو الاقتراع المبكر إلى وقت آخر.