لم يكد يمضي شهر واحد على وصول السفير السعودي الجديد ثامر السبهان إلى العراق، حيث لم يكمل أسبوعين على تسليم أوراق اعتماده إلى وزير الخارجية إبراهيم الجعفري والرئيس فؤاد معصوم، حتى استدعته وزارة الخارجية العراقية لـ"إبلاغه احتجاجها الرسمي بخصوص تصريحاته الإعلامية، التي مثلت تدخلاً في الشأن الداخلي العراقي، وخروجاً عن لياقات التمثيل الدبلوماسي، والحديث بمعلومات غير صحيحة"، ليكون بذلك أول سفير في العالم تستدعيه الدولة التي يمثل بلاده فيها بهذه السرعة.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية أحمد جمال، إن "استدعاء السبهان جاء لتعرّضه لتشكيلات الحشد الشعبي، التي تقاتل الإرهاب وتدافع عن سيادة البلد، وتعمل تحت مظلّة الدولة وبقيادة القائد العام للقوات المسلّحة، وتمتلك تمثيلاً برلمانياً يجعلها جزءاً من النظام السياسي، إضافة إلى إبداء رأيه للإعلام في ما يتعلق بطبيعة المواقف السياسية لبعض مكوّنات الشعب العراقي". وأشار جمال إلى أن هذا الأمر "يعد خروجاً عن دور السفير، وتجاوزاً غير مسموح به للأعراف الدبلوماسية".
تخلو السيرة الذاتية للسبهان من أي مناصب دبلوماسية، فيما حفلت بمناصب أمنية

وهو في هذا الإطار، لفت إلى أن "من المفترض أن يتمثل دور السفير في إيجاد المشتركات الكفيلة بتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، والتي يحرص العراق على تعزيزها وتوطيدها، وفق مبادئ الاحترام المتبادل وبما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين".
وكان السبهان قد شنّ هجوماً لاذعاً على قوات "الحشد الشعبي"، معتبراً إياها "قواتٍ لا تجد مقبولية لدى أبناء المجتمع العراقي". وقال خلال مقابلة تلفزيونية، هي الثانية من نوعها خلال تسلمه منصبه، إن "رفض الأكراد والأنبار دخول الحشد الشعبي إلى مناطقهم، يبيّن عدم مقبولية الحشد من أبناء المجتمع العراقي"، متسائلاً عن حجم السلاح الذي يوجد بحوزة الحشد الشعبي فقط دون غيره، وهل ترضى الحكومة العراقية بحشود سنية مقابل الحشود الشيعية الحالية".
ولم يتوقف السبهان عند هذا الحد، فقد عرّج على الأحداث التي شهدها قضاء المقدادية في محافظة ديالى، أخيراً، من أعمال عنف واستهداف لبعض المنازل والمساجد، مشيراً إلى "إمكانية أن تكون محاولات لإحداث تغيير ديموغرافي في تلك المنطقة، بعد خسارة الشيعة في الانتخابات الأخيرة، وملمّحاً إلى تورّط "الحشد الشعبي" فيها، عندما قال: "أين دور الحشد ممّا جرى في المقدادية".
وعلى الفور، تحرّكت قيادات "الحشد الشعبي" وقيادات شيعية أخرى ــ فور بثّ المقابلة مساء أول من أمس ــ لدى رئيس الوزراء حيدر العبادي ووزير الخارجية إبراهيم الجعفري، وتدارس الرد على تصريحات السبهان. وروى مصدر في "الحشد الشعبي"، لـ"الأخبار"، تفاصيل ردّ الفعل الذي صدر عن هيئة "الحشد" عقب تصريحات السفير السعودي، موضحاً أن تعليمات وصلت بعدم التصريح أو الإدلاء بأي رد أو تعليق لحين صدور بيان رسمي من الهيئة، التي أصدر المتحدث باسمها بياناً شديد اللهجة في منتصف ليلة أول من أمس، طالب فيه الحكومة بمعاقبة السفير السعودي وطرده من بغداد.
وبيّن المصدر أن رئيس هيئة "الحشد الشعبي" فالح الفياض ونائبه أبو مهدي المهندس زارا رئيس الوزراء حيدر العبادي، للبحث معه بشأن ردّ مناسب على "تجاوزات" السفير السعودي على "الحشد الشعبي" واتهامه بالطائفية. وفيما لم يدلِ المصدر بمزيد من التفاصيل بشأن ما دار في اللقاء، إلا أنه أشار إلى أن الهيئة دخلت في ما يشبه حالات الإنذار القصوى، في وقت ذكرت فيه وكالة "الغد برس" العراقية أن المهندس يقود حراكاً لطرد السفير السعودي من بغداد.
بموازاة ذلك، علمت "الأخبار" من مصدر مطلع أن السفير السعودي حصل على ما يشبه "الضوء الأخضر" للحديث عن تلك المواضيع الحساسة، والهجوم على "الحشد الشعبي"، موضحة أنه جاء من باب الرد غير المباشر على موقف العبادي من إعدام الشيخ النمر.
وأشار هذا المصدر إلى أن السعودية أرادت، من خلال تصريحات سفيرها، إحراج العبادي لتقول له: "إذا كان الحشد الشعبي قضية داخلية، فإن قضية الشيخ النمر شأن داخلي ايضاً". وأوضح أن هناك تسريبات تتحدث عن إمكانية مفاتحة الرياض باستبدال سفيرها بسفير آخر يراعي "الوضع العراقي الخاص والعلاقات الثنائية بين البلدين".
وكانت السعودية قد عيّنت، في شهر حزيران الماضي، الملحق العسكري في لبنان ثامر السبهان سفيراً لها في بغداد، فيما أدى لاحقاً القسم أمام الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز مع عدد من السفراء الجدد، الذين عيّنتهم المملكة سفراء لها في دول عدة.
وجوبه إعلان تعيين السبهان برفض أطراف سياسية عراقية عديدة بسبب رتبته العسكرية، فيما عدّ سياسيون ونواب وجوده في بغداد عملاً استخبارياً بعيداً عن العمل الدبلوماسي.
وتخلو السيرة الذاتية للسبهان من أية مناصب دبلوماسية، في وقت حفلت فيه بمناصب أمنية راوحت بين العادية والرفيعة، تعدّتها إلى المشاركة في عمليات عسكرية خارج السعودية، حيث حاز وسام تحرير الكويت.