واصلت حكومة بنيامين نتنياهو سياستها الدعائية التي تهدف الى إلقاء مسؤولية فشل المفاوضات التي انطلقت قبل تسعة أشهر، وينتهي موعدها غداً، على الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وبعدما كانت الدعاية الإسرائيلية تركز على رفض الأخير المطالب الامنية وعدم اعترافه بيهودية دولة إسرائيل، انضمت الى لائحة الاتهام الموجهة اليه: المصالحة مع حركة «حماس».
وفي مقابل المواقف التي أطلقها عباس لجهة وصفه المحرقة النازية بأبشع جريمة في التاريخ، وتمسكه بخيار التسوية ومواصلة المفاوضات ضمن شروط محددة، حرص نتنياهو على التشكيك في خلفيات الرئيس الفلسطيني، مشيراً، في مقابلة مع قناة «سي إن إن»، إلى أنه لا يمكنه «الحصول على الامرين معاً، عبر الجمع بين موقفه من الهولوكوست ومعانقة حماس التي تعتبر منظمة إرهابية تنكر صراحة الهولوكوست».
وفي مقابل تأكيد أبو مازن استعداده لمواصلة المفاوضات، تذرع نتنياهو لعدم المشاركة في محادثات السلام في الشرق الاوسط بأنه لا يقبل بأن يتم ذلك مع حكومة فلسطينية مدعومة من حركة «حماس»، ما لم تغير الاخيرة موقفها وتبدي استعدادها للاعتراف بإسرائيل. ويأتي هذا الموقف الإسرائيلي بعدما اتضح أن الحكومة المقبلة لن تشارك فيها «حماس»، وانما ستتشكل من حكومة تكنوقراط، الامر الذي دفع تل أبيب الى التذرع بأنها ستكون مدعومة من الحركة الإسلامية.
ولوّح نتنياهو بما سمّاه «وسائل أخرى» في حال لم تصل إسرائيل الى تسوية مع الفلسطينيين عبر الاتفاق، مضيفاً أنه «لن يقبل بالمزيد من المماطلات».
حذرت آشتون
إسرائيل من مغبة قرار تعليق المفاوضات مع الفلسطينيين
واستغل نتنياهو أيضاً جلسة الحكومة يوم أمس، ليوجه رسائل إضافية خاصة، في ضوء تزامنها مع ذكرى «الهولوكوست» للتحريض على الفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة «حماس»، إضافة إلى التحريض على إيران. وامتداداً للسياسة الدعائية الإسرائيلية، ضد اتفاق المصالحة الفلسطينية، اتهم نتنياهو «حماس» بأنها «تسعى لصناعة محرقة أخرى»، وهي التي اختارها عباس لعقد التحالف معها الاسبوع الماضي.
وكرر نتنياهو دعوة الرئيس الفلسطيني للاختيار بين «التحالف مع حماس التي تدعو الى إزالة إسرائيل وتنفي المحرقة، وبين سلام حقيقي مع إسرائيل». وكرر نتنياهو الربط بين حماس وإيران التي شنّ هجوماً عليها، معتبراً أنها «تقف على رأس القوى التي تطلب دمنا. فهي إضافة الى سعيها للحصول على سلاح نووي، هي تسلح وتموّل حماس وتنظيمات إرهابية أخرى».
في السياق، دعا رئيس البيت اليهودي، ووزير الاقتصاد نفتالي بينيت، الى ضرورة إيجاد بديل في التعامل مع القضية الفلسطينية، من خلال «تعزيز الحكم الذاتي، والبدء بفرض السيادة الإسرائيلية على المناطق التي تحظى بإجماع إسرائيلي عليها». ورأى بينيت أن من حق إسرائيل القيام بخطوات أحادية، بعد أن قام الفلسطينيون بخطوات أحادية». وأضاف بينيت أنه لا يمكن الحديث عن فشل عملية السلام لأنها لم توجد أصلاً، وأن ما حدث خلال الاشهر التسعة الاخيرة هو عملية ابتزاز لإسرائيل فحسب. وينوي حزب البيت اليهودي تقديم اقتراح قانون للكنيست ينص على أن أي اتصال مع منظمة التحرير الفلسطينية مخالفة جنائية تقتضي فرض عقوبة السجن والغرامات، وذلك على خلفية الإعلان عن المصالحة الفلسطينية.
تجدر الإشارة إلى أن هذا القانون كان قائماً حتى عام 1992، ومنع بموجبه من يحمل الجنسية الإسرائيلية من الاتصال والاجتماع مع عناصر منظمة التحرير، الى أن تم إلغاؤه مع توقيع اتفاقية أوسلو.
في المقابل، تحفظت رئيسة الوفد الإسرائيلي للمفاوضات، ووزيرة القضاء تسيبي ليفني، على اتهام الرئيس الفلسطيني بإطلاق «رصاصة الرحمة» على المفاوضات حتى تتأكد من وفاة العملية السياسية. وأعربت ليفني، قبل جلسة الحكومة، عن أنها لا تنوي المشاركة في «مراسم دفن العملية السلمية»، مشيرة إلى أنها لن تجري مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع حركة «حماس». من جهته، وصف رئيس المعارضة وزعيم حزب العمل يتسحاق هرتسوغ اتفاق المصالحة الفلسطينية بأنه خطوة «حمقاء» من جانب محمود عباس، إلا أنه حذر الحكومة من مغبة فرض عقوبات على الفلسطينيين، ناصحاً إياها بمتابعة التطورات الميدانية. ودعا هرتسوغ أيضاً حكومة نتنياهو الى التفاوض مع الحكومة الفلسطينية حتى لو كانت تلقى دعماً من حركة حماس ما دامت ستستجيب لشروط الرباعية الدولية. ودعا هرتسوغ كلاً من ليفني ويائير لابيد، رئيس حركة «يوجد مستقبل»، الى الانسحاب من الائتلاف الحكومي برئاسة نتنياهو في حال عدم تجدد العملية السياسية مع الفلسطينيين.
إلى ذلك، أكدت مفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي كاثرين أشتون دعم الاتحاد الأوروبي للمصالحة الفلسطينية بشروط واضحة ومحددة، مضيفة أن «الاتحاد الاوروبي يتوقع من الحكومة الفلسطينية الجديدة عدم تبنّي سياسة العنف وأن تبقى ملتزمة بتحقيق حل الدولتين والاستمرار في مفاوضات سلمية تضع حداً للصراع الفلسطيني الإسرائيلي الى جانب قبولها بالاتفاقيات والالتزامات السابقة، لا سيما حق إسرائيل في الوجود».
وعبّرت أشتون، في بيان، عن قلقها الشديد إزاء قرار الحكومة الإسرائيلية تعليق محادثات السلام مع الفلسطينيين على خلفية اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس، وهو ما سيؤثر سلباً على موضوع تمديد فترة مفاوضات السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي الى ما بعد 29 نيسان الجاري، وهو الموعد النهائي للحوار المتعثر.