عمّان | تجدّدت الدعوات في الأردن للتوجّه إلى الحدود مع فلسطين المحتلة اليوم، وذلك بعد أسبوع من أوّل تحرك نحوها. وقد أمست عمّان، مذّاك، على واقع وجود أسيرَين أردنيَّين لدى العدو، بعدما تسلّلا وأُلقي القبض عليهما وجرى تحويلهما إلى التحقيق، ثمّ تضاربت الأنباء عن الإفراج عنهما وتسليمهما للجهات الأردنية، وفق ما نقل رئيس مجلس النواب، عبد المنعم العودات، عن وزير الداخلية، مازن الفرّاية. لكن التسليم لم يجرِ، أو جرى بالفعل، لكن لشخصين آخرين تسلّلا في وقت سابق. على أن القضية لم تأخذ، على أيّ حال، زخمها الجماهيري والإعلامي، مثلما حدث عندما اعتَقل الاحتلال هبة اللبدي وعبد الرحمن مرعي قبل عامين، وشكّل الضغط الشعبي على الحكومة آنذاك علامة فارقة أدّت إلى الإفراج عنهما بعد خوض اللبدي إضراباً عن الطعام.يتجنّب الأردن الإدلاء بمعلومات عن موضوع التسلّل، أو تأكيد مكان وقوعه أو حتى عدد المتسلّلين، علماً بأن ثمّة ترجيحات بأن يكون من المنطقة الشمالية، ولا سيما أن الشابَّين مصعب الدعجة وخليفة العنوز ينحدران من قرى محافَظة إربد الشمالية. ما يدعّم هذه الفرضية، الحادثة التي وقعت قبل عامين عندما تسلّل الإسرائيلي كونستانتين كوتوف إلى المملكة من منطقة الأغوار الشمالية في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، قاصداً السفارة الروسية لدى عمّان. آنذاك، كانت قصة اللبدي ومرعي في أوجها، ومع ذلك أقيمت محاكمة رخوة لكوتوف لم يتمّ استثمارها سياسياً لمصلحة الأسيرَين الأردنيَّين، ليَصدر حكم قاضي محكمة أمن الدولة العسكرية بحق المتسلّل الإسرائيلي بالحبس أربعة أشهر وغرامة ألف دينار (1400 دولار) مع الرسوم، مع حساب مدّة توقيفه ضمن الحكم. وجاء تخفيف الحكم بعدما وجدت رئاسة المحكمة أن كوتوف متزوّج ورب أسرة، وعليه أعطته فرصة لإصلاح نفسه وتصويب مسار حياته!
عموماً، لا يمكن نفي حدوث تسلّل من الحدود الأردنية إلى فلسطين، فهناك حالات عدّة لأردنيين وعرب وأجانب يتمّ التعامل معها على أنها أمنية وعارضة وليست تهديداً، وخاصة المتسلّلين للعمل، لكن ما حدث أخيراً يثير أسئلة كثيرة حول ثغرات مثلاً في منطقة مدّ أنبوب الغاز الواقعة في الأغوار الشمالية، ولا سيما أن أبناء القرى المحاذية يعلمون بها، أو أن الطبيعة وجغرافية المكان تساعد على الاختباء، وربما نتيجة هفوة في المراقبة الأمنية. الأكيد أن عمّان لم تمنع الدعوة الجديدة للتوجّه إلى الحدود، لكن مع تنبيه الداخلية إلى تجنّب الاقتراب كثيراً «من باب الأمن والسلامة»، وهذا يثير أسئلة عن السبب في السماح بذلك في وقت تشهد فيه العاصمة عمّان دعوة للأسبوع الثاني لإسقاط اتفاقية الغاز مع الاحتلال، علماً بأن التحرّكات المرتبطة بالاتفاقية المذكورة تُعدّ من الأوراق الضاغطة التي تستطيع المملكة تحريكها، إذ يحقّ لأحد الطرفين إنهاء الاتفاقية في حال حدوث إضراب عام أو اضطرابات، أو فعل من «عدو عام» أو أعمال «الإرهاب» أو الحرب، أو انفجارات أو إشعار المخاطر البحرية وفق الفقرات أ، ب، ج، من المادة 16، وهذا الشرط متحقّق بفعل قصف المقاومة منشأة خطّ أنابيب عسقلان ــ إيلات قبل أسبوع، ثمّ توقّف استخراج الغاز من حقل «تمار» المزوِّد لشركة البوتاس الوحيدة والحصرية في الأردن. لكن المفارقة أن عمّان لم تتحدّث عن توقّف الغاز الإسرائيلي بفعل ضربات المقاومة، مثلما كانت تفعل دائماً لدى توقّف الغاز المصري بفعل استهداف الخطّ الناقل له.
كان لافتاً السماح مجدّداً بالتوجّه إلى الحدود اليوم الجمعة


من الواضح أن القصر يريد استثمار التحرّكات الشعبية لحساب دبلوماسيّته الخارجية، بعيداً عن اتّخاذ خطوات تصعيدية تُغضب إسرائيل من مثل إلغاء اتفاقية الغاز. ولذلك، يبدو أن تشتيت تلك التحرّكات يمثّل أولوية، بهدف احتواء المزاج الشعبي إلى حين الهدوء التامّ. لكن في الزاوية، يراوح خبر إسقاط قوات الاحتلال طائرة مسيّرة بالقرب من الحدود الأردنية مكانه، علماً بأن الأرجح أن لا يكون مصدرها المملكة، على اعتبار أن الأخيرة تُشدّد رقابتها على الرخص الممنوحة لمثل هذه الطائرات، التي تستدعي حيازتها موافقة الأجهزة الأمنية وتُستخدم لغايات تجارية محدودة، وهو ما يرجّح أنها قادمة من سوريا أو العراق (مع صعوبة الخيار الأخير)، وهو ما لمّح إليه العدو أمس. الثابت أن النظام سمح بأسبوع آخر من الاحتجاجات التي اشتدّت مع تصاعد الأحداث في غزة، إذ استمرّت الوقفات بالقرب من محيط السفارة الإسرائيلية غرب العاصمة، مع التشديد الأمني على المتظاهرين كي لا يتحرّكوا من نقاط مسيطَر عليها، بجانب استخدام العنف والتوقيف لبعض المحتجّين، وذلك بالتوازي مع استمرار الخطاب الرسمي بانتقاد إسرائيل والسماح على أرض الواقع بتحرّكات في مناطق عدة تشارك فيها القوى السياسية التقليدية الإسلامية والقومية واليسارية، وأيضاً أطر جماهيرية وشعبية.
على جانب آخر، بدا لافتاً ظهور رئيس الوزراء الأسبق، طاهر المصري، الذي وُقّعت معاهدة «وادي عربة» في ولايته، متحدّثاً عن «مرحلة جديدة في القضية الفلسطينية»، قائلاً إن الأمور لن تعود إلى ما كانت عليه قبل الهبّة الجارية. وأضاف المصري: «سنوات من محادثات السلام سواء مدريد أو أوسلو لم تثمر شيئاً، والإسرائيليون يتمدّدون ويتصلّبون بقرارهم، والعرب بالذات بدأوا الابتعاد عن القضية الفلسطينية، وأصبح موقفهم غير موجود، وهذا يشجّع مفهوم صفقة القرن، ولذلك يجب أن يكون هناك تحريك». أمّا الأكثر تعبيراً، فهو قوله إن «المنطقة تَغيّرت، وهناك قناعات كثيرة بأن التفاوض غير مثمر، ولا أحد يريد أن يقول إن المقاومة هي البديل، ولكن هذه القناعات موجودة، فظهور الصواريخ والقوة النارية التي أظهرتها حماس في هذه المرحلة تثير الانتباه». هذه الإشادة الضمنية لقوة «حماس»، والمتزامنة مع انفتاح الخطاب المصري الرسمي عليها، ترافقت وانتقاد رئيس الوزراء الأسبق لموقف السلطة، إذ قال إن «ما جرى في غزة لم يُحرّك السلطة التي يجب أن تقوم بدور أقوى ممّا تقوم به في مواجهة العنف الإسرائيلي». ورأى أنه «لا بدّ من إظهار موقف حاسم وإخراج السفير الإسرائيلي، وهو مظهر مهمّ يعبّر عن غضب، وستفهمه إسرائيل وباقي دول العالم». إلى ذلك، أشار الصحافي الإسرائيلي، يوني بن مناحيم، إلى أن «حماس طلبت أن يشمل وقف النار موضوع القدس.... رئيس المخابرات العامة الأردنية تحدّث هاتفياً مع زعيم حماس، إسماعيل هنية، حول الترتيبات المتعلّقة بوقف النار بين إسرائيل وحماس»، مضيفاً: «تريد حماس أن يشرف الأردن على ما يجري في المسجد الأقصى في إطار وقف النار، وأن يبلّغ عن الانتهاكات الإسرائيلية للوضع القائم».



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا