لا تَخُن
إذا كانت ردة فعلك الأولية على هذه اللاء هي: ها هم قد بدأوا بتخويننا مجدّداً، فالأرجح أنّك الخائن المقصود باللاء الأُولى والأَولى. لا داعي لتعريف الخيانة، وخاصةً في قضية فلسطين، لأن الخيانة هذه كخيانة الحبيب وإن ارتكبتها ترتبك و«تتلبّك» حياتك إلى أن تكفّر عن إثمك. فالخائن صفيقٌ منبوذٌ ويحلّ قتله، ولا ينقذه من هذا المصير إلّا رخصه الذي يجعل قيمته أصغر من أن تستحق المجهود المطلوب لإحقاق العدل به. طبعاً، يكثر الخونة الفاجرون في نصرتهم لفلسطين اليوم، وذلك ليس كفّارة عن خيانتهم، بل ظنّاً منهم أنهم يمكنهم ركوب موجة التضامن وخداع ركّابها الآخرين وكأنّهم سذّج، ما يأخذنا إلى اللاء الثانية.


لا تتذاكَ
فلسطين قضية جليّة، بين خيرٍ وشرٍّ، بين استعمار ومستعمَر، بين استيطان وأصحاب الأرض، بين احتلال وشعب محتل، بين مطهّر عرقي وعرق يُطهّر، وذلك ليس منذ الأمس بل منذ اختراع هذا الكيان وإلى حين زواله الحتميّ. أي محاولة لتبرير أي ناحية من هذا الكيان أو أي سبب لوجوده من خلال أَنسَنة المستعمر المستوطن المحتلّ أو البحث عن ترّهات المشترَكات، هوياتية كانت أم أيديولوجية، أو مديح لإنجازات وهمية علمية وطبية أو ناريّة وحديديّة، ورسم صورة دونيّة لمقاومي جبروت المحتل، ما هي إلّا تبريرات لعدم الوقوف، أو بالأحرى لعدم الاستعداد لتحمّل كلفة الوقوف، مع المظلوم بوجه الظالم. وطبعاً، لا يرتقِ ذلك إلى الخيانة لأن المتذاكي أجبن من أن يكون خائناً، بل أجبن من أن يكون إنساناً، وإنّ ادّعى الإنسانية غالباً بل يزايد بها، إذ يغيب عنه أن الإنسان لا يكون إنساناً إلّا إذا كان حرّاً والحرُّ لا يحتاج إلى التّذاكي للالتفاف على اتخاذ الموقف الجريء والواضح الوحيد الذي يصحّ في حالة فلسطين.

لا تزايِدْ
في كل جولة من الصراع وعلى أي جبهة حلّت، هناك من يخرج ليزايد على مَن هم في صلب المواجهة وينظّر عليهم بأنّهم يمكنهم المواجهة بشكل أفضل. يغيب عن المُزايِد أن المواجهة لا تبدأ حين تصبح «تريند» على منابر التواصل الافتراضي، بل هي، لمن يقبع تحت الاحتلال، ممارسة يومية حقيقية في الصبر والتّحمل والمثابرة والصمود والمغامرة والمخاطرة، وينطبق ذلك على كل المواطنين المدنيين الذين يعيشون حياة الاحتلال. أمّا من حمل السلاح ليقاوم ويناضل من أجل الحرية التي لا تكتمل الحياة من دونها، فهم يمارسون كل ما ذُكر مع رشّة إضافية من العزّة والكرامة والتضحية. ولنتوقّف قليلاً عند هذه التضحية، إذ أنها تضحية واعية للمخاطر ومدركة لصعوبة المعركة وتكلفتها، فهم لا تباغتهم خسارة الممتلكات والأرواح بل يتوقعونها ويستمرون في المعركة لأن حياتهم الإنسانية ليست كاملة في ظل وجود الاحتلال. فمن أنت لتزايد عليهم؟

لا تـ«بن زايِد»
من أحقر ما مرّ على القضية الفلسطينية في تاريخها هم المطبّعون الجدد بقيادة محمد بن زايد. لا يمكن اعتبارهم خونة لأنهم كانوا دوماً عملاءً للاستعمار ومتواطئين مع المحتل. فهم لم ينصروا فلسطين يوماً ليخونوها اليوم. لكن رغم ذلك ورغم أن علاقتهم مع دولة الاحتلال لا تقدّم ولا تؤخّر مهما روّجوا لعظمتها الابراهيمية، اختار بن زايد وتوابعه الخضوع لأكثر كرنفالات السلام إذلالاً برعاية ظاهرة هوليوودية مقيتة، هي التي أحرقت كل ما لمسته يداها بما في ذلك حسابها على تويتر الذي كان دوماً ممتعاً. وبالمناسبة هل يختلف موقف جو بايدن من الموقف الذي كان سوف يتّخذه سلفه المغيّب؟

لاءات أُخرى
يتساءل كثر عن غياب محمود عباس وسلطته عمّا يحصل اليوم في فلسطين التي ما زالت محتلّة. لكن في الواقع السلطة موجودة بقوة وتنسيقها الأمني مع المحتل (ومع سلطات مملكة الضفة الشرقية) هي ما تجعل الصواريخ تنطلق اليوم من منصات غزاوية حصراً. فلا ينقص الضفة الغربية ولا الداخل الفلسطيني من يضغط على الزناد وهذا ما تجلّى في الأيام الأخير من القدس إلى بيت لحم واللّد. فمن يرمي الحجر يرمي الكورنيت إن توفّر، ومن يمنع توفّره هو من يخون ومن يتهرّب ومن يطبّع. لقد مرّت ثلاثة عقود على وعود أوسلو ولم يبقَ منها إلا أبو مازن وتنسيقيّته. قد يكون جيل المقاومين والمنتفضين والمتضامنين اليوم لا يذكر أن قبل أوسلو كان هناك توافق عربي حول ثلاث لاءات في ما يخص فلسطين وقضيتها ولا ضير من العودة إليها اليوم، إذ أن الشعوب لم تبتَع ألاعيب أنظمتها في محاولاتها تمييع قضيتنا الأساس، ولا تزال تؤمن باللاءات التي خرجت بها قمة الخرطوم في عام 1967:
لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحاب الأرض.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا