انشغلت الساحة الإسرائيلية خلال الايام الماضية، بشقيها السياسي والاعلامي، بما قيل إنه تهديد السلطة بحل نفسها، في حال فشل المفاوضات، الذي وصل الى حد تحذير الاميركي من تداعيات خطوة كهذه، الامر الذي أضفى عليها للوهلة الاولى قدراً من الجدية وكأنها خيار فعلي امام القيادة الفلسطينية، في رام الله. المؤكد أنها ليست المرة الاولى التي يجري فيها الحديث عن سيناريو كهذا. وتكرار الحديث ليس سوى نتيجة لتعثر عملية التسوية، وبعدما ضاقت السلطة ذرعاً بالتصلب الاسرائيلي الذي أحرجها.
مع ذلك، وبالرغم من أن تكرار الحديث عن الامر نفسه قد يفقده تميزه وغرابته، إلا أنه يبقى لهذا التهديد ما يميزه، خاصة لكونه تهديداً بإلحاق الضرر بالآخر عبر التهديد بالإضرار بالذات. وهي معادلة ما كانت لتخطر على بال البعض، إلا لكون السلطة قامت في ظل الاحتلال، وبعد الاتفاق معه. العنصر الأبرز في التهديد بحل السلطة يكمن أيضاً في التلويح بإيقاف «الخدمات الامنية» للاحتلال، المسماة «التنسيق الامني» الذي تحوَّل الى مفهوم أمني بديل من المقاومة.أما في الجانب القيمي، وبغض النظر عن الموقف من اتفاق أوسلو، يوحي التهديد باتخاذ القيادة الفلسطينية قراراً بحل السلطة، وكأننا نتحدث عن شركة يملكها أحد الاشخاص، يريد تسليم مفاتيح أبوابها لأصغر ضابط يمثل الاحتلال، أو للامم المتحدة. وهو موقف ذو أبعاد أخلاقية غير ملائمة، حتى بمعايير الخط «الانبطاحي».من جهة أخرى، وبعيداً عما إذا كانت السلطة جادة ومستعدة فعلاً لخيار كهذا، إلا أن الايحاء بمثل هذه المواقف ينطوي على محاولة ترويج لمفهوم ثقافي سياسي، وهي أن خيارات الشعب الفلسطيني محصورة بين مسارين: إما الاحتلال المباشر، أو القبول بكيان سياسي حُدِّدت ملامحه وفق ما تتطلبه المصلحة الاسرائيلية، على قاعدة أن لا بديل منهما. في كل الاحوال، الحقيقة التي ينبغي أن تكون ماثلة أمام مبدعي هذا السيناريو هي أن تحقيق الاهداف السياسية المفترضة لهذا التهديد مشروط بالضرورة بمصداقيته لدى الطرف الموجه اليه، مع التأكيد أن هذه المصداقية ليست مجرد تصور نظري يخطر في بال طرف مقابل، بفعل بلاغة خطابية أو مناورة من هنا أو هناك، بل مفهوم يتم بناؤه تراكمياً.
ومن أبسط العناصر المطلوب توافرها، لتحقيق الاهداف السياسية المؤملة من التلويح به، أن يكون مستنداً الى مخزون سوابق، تدفع الطرف المقابل الى أن يأخذه على محمل الجد.
في ضوء ذلك، هل أداء السلطة الحالي، ومخزون تجاربها الماضية، يعززان من مفاعيل التلويح بهذا الخيار، الافتراضي، أم يعززان رهاناته على تصلبه وتمسكه بخياراته ومواقفه؟
بالطبع، خيار المصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينية يمثل رداً جاداً على الاحتلال، لكن بشرطها وشروطها.