غزة | لم تحمل تعبيرات وجوه الأطراف المجتمعة في غزة خلال توقيع الاتفاق المصالحة بين حركتي «فتح» و«حماس» الكثير من التفاؤل، خصوصاً أن مصير الاتفاق مرهون بتنفيذ بنوده المتعلقة بتشكيل الرئيس محمود عباس حكومة وفاق وطني بعد نحو خمسة اسابيع من الآن، تمهيداً لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني بعد ستة أشهر من تشكيل الحكومة.وحتى قبل ساعات من التوقيع، كانت الرؤية ضبابية في ما يتعلق بإمكانية تطبيق الملفات الخمس رزمة واحدة (تشكيل الحكومة، اجراء الانتخابات، اعادة هيكلة الاجهزة الأمنية، اجراء المصالحة المجتمعية، وتطبيق الحريات العامة)، غير أن مآرب مختلفة هي التي اسهمت في اجبار الاطراف على التوقيع.

الغريب في الأمر أن وفدي المصالحة لم يتحدثا عن ضمانات، سواء فلسطينية او عربية لتطبيق الاتفاق، وهو ما يخفض من سقف توقعات رأب الصدع على الساحة الفلسطينية خلال الأيام المقبلة، بالنسبة إلى الكثير من المراقبين الذين رهنوا نجاح الاتفاق بالنيات الحسنة.
المحطة الأخيرة التي وصلت اليها المصالحة الفلسطينية والتي وقعت في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، مسقط رأس رئيس الحكومة المقالة في غزة اسماعيل هنية، بكل تأكيد لا تجبّ ما قبلها من محطات، وخصوصاً أنها أسست على ما جرى الاتفاق عليه في إعلان الدوحة شباط 2012، واتفاق القاهرة نيسان 2011.
عملياً، الاتفاق الجديد الذي لم يحظ بمشاركة كل القوى الفلسطينية باستثناء الوفد القادم من رام الله، لا يحمل جديداً على صعيد ترتيب الملفات الخمسة الرئيسية، فالأولوية كانت وما زالت في محطتها الاخيرة ترتكز على تشكيل حكومة، لكن الذي تغير بالنسبة إلى حماس أنه لم يعد مهماً من يقود هذه الحكومة على عكس موقفها السابق واعتراض قيادتها الداخلية على تولي محمود عباس رئاستها، وفق ما سربته محافل قيادية.
شيء آخر يمكننا تسجيله في هذا الإطار، هو أن حماس قبلت هذه المرة بالاتفاق، وهي تدرك تماماً أن الظروف الحالية لن تخدم تنفيذ الخطة المتعلقة بإجراء الانتخابات بعد ستة اشهر من تشكيل الحكومة، خصوصاً في ظل تعقيدات الوضع العربي وضعف امكانية اشراك فلسطينيي الشتات في هذه الانتخابات التي ستضمن لها تمثيلاً في منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا يعني أن «حماس» قدمت تنازلاً في هذه المرحلة لأسباب ودوافع مختلفة أبرزها:
ـــــ الوضع الإقليمي لم يعد يحتمل مزيداً من الترف في التعامل مع الانقسام، وبخاصة في ظل ازدياد الخناق على الحركة الإسلامية، وغياب الحليف الأكبر (الإخوان المسلمين)، اضافة الى انها اضحت غير قادرة على توفير المال الكافي لإدارة حكومتها في غزة.
ـــــ تفويت الفرصة على الرئيس محمود عباس الذي بدا وكأنه يستخدم المصالحة كورقة لليّ ذراع اسرائيل التي ترفض الاستجابة للشروط الفلسطينية المتعلقة بإنجاز اتفاق اطار برعاية اميركية.
ـــــ محاولة تحقيق اختراق في جدار العلاقات المتوترة مع المجلس العسكري المصري، من خلال نسب الاتفاق إلى الجهود المصرية الوسيطة منذ احداث الانقسام حزيران 2007، وبالتالي التخفيف من القبضة الأمنية للجيش المصري على كل من الأنفاق الأرضية الواقعة بين غزة وسيناء، وفتح معبر رفح البري.
أما على صعيد حركة «فتح»، فالرئيس عباس يبدو واضحاً هذه المرة أنه أراد حشر حركة «حماس» في الزاوية من خلال تكليفه وفداً من (م. ت، ف) للتشاور مع «حماس الداخل» حول الاتفاق بحضور عضو قيادة الصف الخارجي موسى ابو مرزوق قادماً من القاهرة، على عكس ما جرت العادة بأن كان يكلف نبيل شعث عضو اللجنة المركزية لحركة فتح تمثيل حركته في التباحث مع «حماس».
ويجب الا نغفل أن هذا الحراك الجدي الذي توج بالاتفاق مساء أمس، جاء في اعقاب اصطدام عباس بتعثر المفاوضات، وهو أمر دفعه إلى تشكيل جبهة للمناورة ضد إسرائيل بدأها مطلع الشهر بالتوجه للانضمام إلى نحو 15 منظمة دولية، ومن ثم دعوة وزراء الخارجية العرب في التاسع من نيسان الجاري للحصول على الدعم المالي لضمان صمود السلطة في وجه العقوبات الإسرائيلية، وأخيراً توقيع اتفاق مع «حماس».
صحيح أن الاتفاق نص من الناحية الشكلية على عودة التئام لجنتي المصالحة المجتمعية والحريات العامة كما ورد على لسان اسماعيل هنية في مؤتمر اعلان الاتفاق لأجل استئناف عمليهما، لكن العقبة الأبرز وفق قول مصدر مسؤول في حركة «حماس»، أنه «يصعب طي صفحة الانقسام ما لم تقدم الدول العربية المال الكافي لمعالجة تبعات الانقسام، وهو أمر يصعب الالتزام به في ظل حالة الاصطفاف العربي حيال الأزمة المصرية، والثورة السورية، والانشقاق الخليجي».
تجدر الاشارة إلى أن تبعات الانقسام تتعلق بالصفح عن المتهمين بأحداث الاقتتال من كلا الفريقين (فتح، حماس) التي راح ضحيتها اكثر من 150 قتيلاً، ودفع الديات لذوي ضحايا والسماح بعودة الهاربين من غزة والافراج عن المعتقلين السياسيين، إضافة إلى تعويض المتضررين ممن قطعت رواتبهم او فصلوا من وظائفهم العامة بسبب الخلفية الحزبية.
وأمام رزمة الملفات التي من المقرر إنجازها خلال الأيام المقبلة كما وعد الوفدان، يظل التوقيع على الاتفاق حبراً على ورق، لا سيما أن بوادر حسن النية لا تزال هشة في ضوء الإبقاء على المعتقلين السياسيين محتجزين في سجون الأجهزة الأمنية في كل من غزة ورام الله.