قرر الجيش الإسرائيلي تغيير آلية التعامل مع تجنيد الفلسطينيين المسيحيين من سكان الأراضي المحتلة عام 1948 في صفوفه، وذلك من خلال اعتماد سياسة استدعاء جديدة «تقترح» على شباب الطائفة المسيحية التطوع للخدمة العسكرية. وبحسب القانون الإسرائيلي، لا يخضع فلسطينيو الـ48 (باستثناء الدروز والشركس) لقانون الخدمة الإلزامية، إلا أن السلطات الإسرائيلية تبذل على الدوام محاولاتٍ لدفعهم إلى الخدمة التطوعية، سواء في الجيش أو في مؤسسات مدنية عبر ما يسمى «الخدمة الوطنية».
وشهدت الفترة الأخيرة تجاذباتٍ كبيرةٍ داخل الطائفة المسيحية بين جهاتٍ تحرض على الخدمة العسكرية وتروج لها وأخرى تعارض هذه المحاولات التي تحركها السلطات لإحداث اختراق في شبه الإجماع المسيحي الرافض للخدمة في جيش الاحتلال.
وفي إطار ترويجهم، يرفع مؤيدو التجنيد شعار أن الخدمة العسكرية تُعَدّ جزءاً من المواطنة الإسرائيلية، فيما يشدد المُعارضون على أن هذه الخدمة تخدم المصالح الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي وتأتي في سياق تكريس سياسة فرق تسد داخل المجتمع الفلسطيني. ووفقاً لإحصاءات الجيش، يبلغ عدد الذين يخدمون فيه من الفلسطينيين المسيحيين نحو 150، ويلتحق سنوياً نحو 50 آخرين، فيما يصل حجم «قابلية التجنيد» إلى نحو ألف في كل دورة، وذلك بحسب العدد الإجمالي للطائفة المسيحية في الأراضي المحتلة عام 1948 الذي يبلغ نحو 160 ألفاً.
وجرت العادة حتى الآن بأن يبادر الراغبون في أداء الخدمة العسكرية بنحو فردي من المسيحيين إلى التوجه إلى مراكز التجنيد، إلا أن الجيش قرر أخذ زمام المبادرة من خلال إرسال إشعارات التحاق بالخدمة العسكرية على غرار ما يفعله مع الشباب اليهود والدروز والشركس الملزمين بأداء الخدمة العسكرية، إلا أن الإشعارات التي سترسل إلى الشبان المسيحيين سيطلق عليها اسم «أوامر تطوع»، وهي تتضمن دعوة للذهاب إلى مراكز التجنيد والخضوع لإجراءات الفرز الأولية.
وأكد الجيش في تقرير نشره موقعه على الإنترنت أن هذه الدعوات لن تكون إلزامية، والغاية منها تشجيع الشباب المسيحيين على الخدمة العسكرية. وتعليقاً على قرار الجيش، قال رئيس قسم التخطيط في شعبة الطاقة البشرية، العميد غادي آغمان، إن «الجيش يعمل على دمج العدد الأكبر من عموم السكان ويرى أهمية كبيرة في ربط الطائفة المسيحية كجزء من الجيش»، فيما أوضحت مصادر عسكرية أخرى أن «أوامر التطوع» ستكون بمثابة دعوة إلى فحص إمكان التطوع لدى الشباب المسيحيين.
ورداً على الخطوة المزمعة للجيش، دعا عضو الكنيست عن حزب التجمع الوطني الديموقراطي، باسل غطاس، وهو من أشد المعارضين لتجنيد الفلسطينيين من كل الديانات، سواء في الخدمة العسكرية أو الوطنية، دعا الشباب المسيحيين إلى إعادة الإشعارات التي سيرسلها الجيش إليهم عبر البريد أو إلى إحراقها في إجراء استعراضي وعلى الملأ. ورأى غطاس في قرار الجيش خطوة يائسة للمؤسسة الإسرائيلية باتجاه زرع الفرقة بين العرب المسيحيين وبقية المجتمع العربي في الداخل، مشيراً إلى أنّ الأمر «خطوة خطيرة تظهر أن الدولة ستفرض قريباً تجنيداً إجبارياً على الشباب المسيحيين».
وكانت وزارة الدفاع الإسرائيلية قد نظمت ورعت خلال الأشهر الأخيرة مناسبات لتشجيع الشباب المسيحيين على الخدمة العسكرية، ما استدعى ردود فعل احتجاجية صاخبة وسط المجتمع العربي في الداخل. ووصل الأمر إلى حد فرض المقاطعة من قبل الفعاليات الفلسطينية المسيحية ضد رجل الدين الأرثوذوكسي، غبريال نداف، الذي يرأس «هيئة تجنيد أبناء الطائفة المسيحية في الجيش»، وهو يعَدّ عرّاب الدعوة إلى خدمة المسيحيين في الجيش.
يشار إلى أن ترويج سلطات الاحتلال للخدمة العسكرية وسط الفلسطينيين المسيحيين تأتي في سياق سياسة عامة تنتهجها لتكريس الفرقة والفصل بين الطائفتين المسيحية والإسلامية في المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل. وسبق للكنيست أن أقر في شباط الماضي قانوناً يعكس هذه السياسة ويعززها، حيث فرض أن يكون أحد الممثلين عن الجمهور العربي في لجنة المساواة في فرص العمل مسيحياً والآخر مسلماً، خلافاً لما درجت عليه العادة بعدم الالتفات إلى الانتماء الطائفي لهذين الممثلين. وقد أعلن عضو الكنيست الذي اقترح مشروع القانون، ياريف لفين (حزب الليكود) أن القانون هو خطوة أولى من جملة إجراءات كثيرة تهدف إلى التفرقة بين «المواطنين المسيحيين والمسلمين وإلى تعميق مشاركة السكان المسيحيين في المجتمع الإسرائيلي».