ما زالت الاتهامات التي وَجّهها نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، إلى دولة أجنبية بالتورُّط في مؤامرة انقلابية في بلاده، جرى إجهاضها في مراحلها الأولى على ما يبدو، تثير تساؤلات عديدة حول الدوافع الفعلية لهذه الدولة، أو بالأحرى الدول. العلاقات الوثيقة التي تجمع أحد أبرز المتّهمين بالمشاركة في تلك المؤامرة، باسم عوض الله، الذي كان مديراً لمكتب الملك الأردني وشغَل في بلاده منصبَي وزير المالية ووزير التخطيط، بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهو الذي أضحى مستشاراً له، وكذلك بولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، عزّزت فرضية تورّط الدولتين في ما حدث. وأتت المعلومات عن عرض ضابط سابق في الموساد ورجل «أعمال» حالي، هو: روعي شابوشنيك، على زوجة الأمير حمزة بن الحسين، المتّهم هو الآخر بالمشاركة في المؤامرة، نقلها بطائرته الخاصة إلى خارج الأردن، وتحديداً إلى كيان العدو على أغلب تقدير، لتَدعم فرضية مساهمة إسرائيلية مباشرة في الأحداث.
(أ ف ب )

لكن المُشكِّكين في احتمال قيام أولئك الأطراف بالمساعدة على إنجاح عملية من هذا النوع يشيرون إلى المخاطر الكبيرة المترتّبة عليها، في ظلّ تفاقُم الأزمة العامة التي يشهدها الأردن، خاصة في السنتين الماضيتين، وما قد تُسبّبه من صدام داخلي في المؤسّستين الأمنية والعسكرية، وانهيار لسيطرة النظام على البلاد، مع تداعيات مباشرة على أمن الكيان الصهيوني. فالمحاولات الانقلابية تتضمّن دائماً قدْراً لا يستهان به من المغامرة، وهي كثيراً ما تقود، وتحديداً في حال العجز عن الحسم السريع للصراع، وفي سياقات سياسية واجتماعية مضطربة، إلى احتراب داخلي وفوضى واسعة النطاق يصعُب التنبّؤ بمآلاتهما.
هذه التساؤلات وجيهة بلا شكّ، غير أن الوقائع عنيدة كما يقال، وتورُّط شخصية كباسم عوض الله في الإعداد لانقلاب في الأردن من غير الوارد أن يتمّ من دون تنسيق مسبق مع «رعاته» الإقليميين، الذين أكثروا من المغامرات الصغرى والكبرى، عبر الشروع في انقلابات في داخل بلدانهم، كما فعل ابن سلمان في السعودية، أو شنّ حروب لم تنتهِ في اليمن وليبيا. ساد، مع اندلاع الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية في المنطقة العربية منذ 2011، اعتقاد بأن الأنظمة الملَكية «التقليدية» أحسنت التعامل معها واحتواءها وتلبية بعض مطالب الجماهير المنتفضة، وتحديداً في المغرب والأردن، أمّا ممالك الخليج وإماراته، فهي بقيت، باستثناء البحرين، بمنأى عن هذا الحريق الكبير، على عكس الأنظمة «الجمهورية». غير أن التطوُّرات التي تلت، وتحديداً الانقلاب الناجح الذي قاده محمد بن سلمان في السعودية، والمحاولة الانقلابية الفاشلة التي جرت منذ عدّة أيام في الأردن، تُظهر أن التناقضات والانقسامات في داخل بنية هذا النمط من الأنظمة لا تقلّ احتداماً عن تلك التي تأجّجت في بنية الأنظمة العربية الأخرى كمصر وتونس وليبيا واليمن. لقد بات من الواضح اليوم أن أحد الأسباب الرئيسة التي حدت بابن سلمان إلى شنّ حربه العدوانية على اليمن، هو اكتساب المشروعية الداخلية واستنفار عصبيةٍ مِن حوله تمهيداً لانقضاضه على السلطة وإزاحة جميع الأمراء الآخرين من أبرز مواقعها. وعلى الرغم من أن المعلومات التي أصبحت متاحة عن تلك المرحلة تَكشف أن ولي العهد السعودي وفريقه تحرّكوا وفقاً لخطّة محكمة، فإن إمكان حصول مواجهة مسلّحة بين الأجهزة الأمنية والعسكرية السعودية المختلفة لم تكن معدومة. صحيح أنه نَفّذ الجزء الأخطر من خطّته بعد وصول «صديقه» دونالد ترامب إلى السلطة وتأكُّده من دعمه الكامل له، غير أن مثل هذا الأمر، في بلد بأهمية السعودية على المستوى الاستراتيجي، يتضمّن درجة عالية من الجموح المغامِر.
العقلية التآمُرية والمغامرة لدى ابن سلمان وابن زايد لن تتورّع عن محاولة إطاحة ملك الأردن


ومن المفيد التذكير بأن باسم عوض الله كان مستشاراً لابن سلمان خلال تلك الفترة نفسها، وأنه شارك في استجواب معتقلي «الريتز». والأمر نفسه ينطبق على محمد بن زايد، المتَّهم بالتورُّط في تمويل المحاولة الانقلابية الفاشلة ضدّ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، والذي كان طرفاً في حربَي اليمن وليبيا. تفصيل لافت آخر هو ذلك المتعلّق بضابط الموساد السابق، روعي شابوشنيك، صديق الأمير حمزة بن الحسين. بحسب مقال للصحافي الإسرائيلي، باراك رافيد، نُشر على موقع «أكسيوس»، فإن شابوشنيك «عمل في القطاع الخاص مع شركة رجل الأعمال الأميركي، إيريك برينس، وبعد بضع سنوات أنشأ شركته الخاصة لوجيستيكال سوليوشن... وهو قدّم خدمات لشركة برينس في الأردن، عندما كانت تُدرِّب جنوداً عراقيين، وتَعرَّف آنذاك الى الأمير حمزة وأصبحا صديقين». الرجل الذي عرَض اللجوء على زوجة حمزة بن الحسين، عمِل مع إيريك برنس، مؤسِّس شركة «بلاك ووتر»، التي أصبح اسمها اليوم «أكاديمي»، ومع رجل المهمّات الخاصة بالنسبة إلى حكّام السعودية والامارات، وشريكهم في العديد من مغامراتهم الخارجية والداخلية، وبينها حربا اليمن وليبيا، وكذلك تعذيب معتقلي «الريتز» من أعضاء العائلة الحاكمة السعودية. العقلية التآمُرية والمغامرة لدى ابن سلمان وابن زايد، مستندةً إلى شبكة من المرتزقة الغربيين والإسرائيليين، لن تتورّع عن محاولة إطاحة ملك الأردن نتيجة لتدهور العلاقات معه بسبب «صفقة القرن»، ومفاعيلها المحتملة على المملكة الهاشمية، وسعي الأول إلى إحلال وصاية سعودية بدلاً من تلك الهاشمية على المسجد الأقصى. وقد يكون باسم عوض الله هو مَن تولّى إقناع الأمير حمزة بن الحسين بأن «الزمن الجديد» يتطلّب وصول نمط «جديد» من القادة إلى سدّة القرار من أمثال ابن سلمان وابن زايد، وأنه يستطيع أن يحذو حذوهما.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا