وفي سياق الخلافات الدستورية بين سعيّد الذي يمنحه الدستور حقّ التأويل في غياب المحكمة الدستورية، وبين “النهضة” وحليفَيها “قلب تونس” و”ائتلاف الكرامة”، يسعى هؤلاء إلى التعجيل في انتخاب بقيّة الأعضاء الثلاثة. لذلك، تمّ تخفيض عدد الأصوات المطلوبة لاختيار أعضاء المحكمة، من 145 عضواً إلى 131، وهو ما سيتيح للائتلاف البرلماني اختيار بقية الأعضاء، الأمر الذي يرى فيه بعض نوّاب المعارضة، مثل منجي الرحوي (يسار)، وعبير موسي (رئيسة “الدستوري الحرّ”)، محاولة لعزل رئيس الجمهورية، أو سحب تأويل الدستور منه وابتزازه سياسياً.
سينهي تأسيس المحكمة الدستورية الجدل الدائر والمستمرّ بين رئيسَي الجمهورية والحكومة
ويرى مراقبون أن المصلحة العليا للبلاد تقتضي إرساء المحكمة الدستورية، ذلك أن تونس اعتمدت في انتقالها الديموقراطي على المؤسّسات والقانون. وفي هذا السياق، يقول الكاتب الصحافي والباحث السياسي، منجي الخضراوي، في حديث إلى “الأخبار”، إن “الإشكال في هذا المشروع التعديلي للمحكمة الدستورية هو التأخُّر المناقض للدستور”، مشيراً إلى أنه في “غياب المحكمة، انقسم الخبراء الدستوريون بين مَن يرى أن رئيس الجمهورية يعوّض مكانة المحكمة، ومَن يرى أنه لا بدّ من تشكيل لجنة مؤقّتة تقوم بمراقبة دستورية تشريع القوانين. إرساء المحكمة الدستورية لم يَعُد رهن جهة دون أخرى، إنما الإشكال هو في تركيبتها”، وخصوصاً أن “كلّ كتلة حزبيّة تسعى إلى الدفع باسم معيّن، وهي مستعدّة لوضع المحكمة في حالة عطل، إذ ثمّة محاولات لإعطائها نفَساً حزبيّاً”. ويتساءل عن أجر القاضي الدستوري الذي لا يتجاوز ثلاثة آلاف دينار تونسي، معتبراً أن هذه “مهزلة في حقّ قاضٍ له صلاحيات كبرى كعزْل رئيس الجمهورية، وإلغاء قوانين والتدخّل في إعلان حالة السلم والحرب”، وهو “ما يفتح الباب أمام إمكانية شرائه”. ويلفت منجي إلى مسألة استفادة رئيس الجمهورية من عدم وجود محكمة دستورية، “باعتباره الضامن والمؤوِّل للدستور، وكأنه يعوّض المحكمة”، معرباً عن اعتقاده بأن “الرئيس قيس سعيّد سيختم هذا القانون، وسيتصرّف كونه رئيساً لا يمثّل شخصه، بل يمثّل مؤسسة رئاسة الجمهورية، ويعطي أولوية للمؤسسة”.
من جانبه، يرى الباحث المتخصّص في القانون الدستوري، أيمن البريكي، في حديث إلى “الأخبار”، أن “مَن يستفيد من غياب المحكمة الدستورية هم مَن يقومون بالألاعيب السياسية، والذين لهم مشاريع يمينية فاشية أو دينية”، في إشارة إلى بعض الأحزاب السياسية. ويشير إلى أنه “لم يتمّ تكريس الدستور التونسي بعد في عدّة هيئات ومؤسسات دستورية”، لأن “العقل القانوني ينخرط في ضوضاء صراعات سياسية غير مجدية ومُعطّلة”. وينتقد البريكي التنقيحات التي يَعتبر “أغلبها سياسية محضة، فيما توجد عدّة إشكاليات قانونية أكثر أهمية، وتحتاج إلى المراجعة”، متسائلاً: “هل نحن أمام محكمة دستورية، أم مجلس دستوري؟”. ويعتبر الباحث الدستوري أن “تأسيس المحكمة الدستورية سينهي قطْعاً الجدل الدائر والمستمرّ بين رئيسَي الجمهورية والحكومة”، وسيُغلق الباب أمام كلّ “المشاكل العالقة بين السلطتَين التشريعية والتنفيذية”.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا