بدأ رئيس «المجلس الرئاسي» في ليبيا، محمد المنفي، محاولة لتجاوُز تبعات الصراع الإقليمي والدولي على بلاده، مستهدِفاً تهدئة الأوضاع على الأرض بهدف إنجاح مهمّة السلطة الانتقالية، خاصة مع استمرار حالة الغموض في شأن المسار الدستوري الذي ستتبعه البلاد لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية نهاية العام، كما هو مُقرَّر في «ملتقى الحوار السياسي» الذي ترعاه الأمم المتحدة، والذي منَح الشرعية للنظام الانتقالي الجديد. وزار المنفي كلّاً مِن فرنسا ومصر وتركيا، حيث التقى كبار المسؤولين، للحديث في موضوعات مختلفة ضمن اجتماعات مُطوَّلة، خلصت كما يبدو إلى تكوين «رؤية توافقية» في شأن التعامل مع الملفّ الليبي، وإرجاء أيّ نقاط خلافية إلى حين تنصيب الحكومة المقبلة التي يُتوقَّع أن تباشر عملها بحلول كانون الثاني/ يناير المقبل، بعد الانتخابات.وفي تركيا، ناقش المنفي مسألة المرتزقة وآلية التعامل معهم وإخراجهم، مع تأكيده أنه لن يجري تنفيذ أيّ من التفاصيل الخاصة باتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وُقّعت مع حكومة فائز السراج، طالباً مراجعة اتفاقات التعاون العسكري أيضاً لتكون في حدّها الأدنى، وذلك كلّه تجنُّباً لغضب دول الجوار، وفي مقدّمتها مصر. هنا، لم يُخفِ رئيس «المجلس الرئاسي»، الذي تجمعه علاقات قوية بالمسؤولين الأتراك، رغبته في تعزيز التعاون بين بلاده وتركيا، لكن مع وضع ضوابط لأطر التعاون لا تجعل ليبيا تخسر جيرانها وحلفاءها، وفي الوقت نفسه تخدم المصالح التركية. إلا أنه شدّد على ضرورة سحب المرتزقة كلّياً، خاصة أنه لا حاجة إليهم حالياً، بل إن دورهم يمنع تثبيت الاستقرار، بخلاف ما تسعى إليه الحكومة الحالية.
ووعد المنفي باستمرار «الشراكة الاستراتيجية مع تركيا»، متحدّثاً في الوقت نفسه عن سعيه إلى تحقيق مصالح بلاده، ورافضاً أيّ محاولات لفرض قرارات خارجية عليها. وشدّد على ضرورة أن تكون هناك «مراجعة واضحة لما يجب أن يحدث خلال الشهور المقبلة فقط»، وتجنُّب الاتفاق على أيّ تفاصيل بعيدة المدى، وهو ما يضع عبئاً كبيراً مسبقاً على الحكومات المقبلة. أمّا في مصر، فوَجّه دعوة إلى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لزيارة طرابلس، بالتزامن مع الاتفاق على إعادة العمل في السفارة المصرية. كما أكد «الشراكة الاستراتيجية واستمرار التعاون بما يٌحقّق أهداف البلدين». والجدير ذكره، هنا، أنه بدأ التواصُل فعلياً بين المسؤولين المصريين ونظرائهم الليبيين في شأن أمور عاجلة، ولا سيما المساهمة في إعادة الإعمار. على المستوى الدولي، يجري التنسيق بين القاهرة وباريس ضمن مناقشات مُوسّعة من أجل مستقبل المرحلة الانتقالية، وهو ما جرى الحديث فيه باستفاضة، كما تنقل مصادر، خلال اتصال هاتفي بين السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس، علماً أن الجانبين يدعمان النظام الانتقالي، لكنهما يترقّبان الموقفَين الإيطالي والتركي على وجه التحديد.
شملت جولة رئيس «المجلس الرئاسي» كلّاً من فرنسا ومصر وتركيا


وبالانتقال إلى المسار القانوني والدستوري، لا يزال الغموض يكتنف موعد الاستفتاء على الدستور وطريقة إجرائه، فيما دعت البعثة الأممية أعضاء اللجنة القانونية إلى «تسوية خلافاتهم ومواصلة العمل لوضع مقترحات قابلة للتنفيذ ومتّسقة مع الدستور»، من جرّاء الغموض الذي يكتنف قدرة البرلمان على إقرار خريطة دستورية. وتُجري البعثة مناقشات واسعة من أجل البحث عن قواعد قانونية ودستورية للتصويت عليها في «ملتقى الحوار» بحلول الشهر المقبل على أقصى تقدير، حتى يمكن إجراء الانتخابات ضمن الجدول الزمني المُقرَّر، علماً أن هذه المناقشات تُركّز على حصة نسائية في المناصب القيادية.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا