عمّان | يشهد الأردن موسماً مطرياً سيّئاً لم يصل إلى معدّلات الهطل السنوية، ما سينعكس على الواقع المائي في المملكة، ولا سيما أن مخزون السدود لم يتخطّ نسبة 40% من سعتها، الأمر الذي يدقّ جرس إنذار يشي بصيف قاسٍ مائياً على الأردنيين. ويحتكم اللجوء الأردني إلى إسرائيل في طلب الماء إلى بنود اتفاقية «وادي عربة» ومَلاحقها المتعلقة بالمياه. ومن المعروف أن المديونية المائية الأردنية لإسرائيل قائمة منذ سنوات، وخاصة إن أُخذ في الاعتبار عجز عمّان عن الإيفاء بالكمّيات المطلوبة منها من نهر اليرموك مثلاً، أي من سدّ الوحدة. فبينما المطلوب توفير 25 مليون متر مكعّب سنوياً لإسرائيل، دخل إلى السدود 141,370 مليون متر مكعّب فقط حتى نهاية شباط/ فبراير الماضي، علماً بأن امتلاء السدود الأردنية كافة بسعتها الكاملة يغطّي ما نسبته 35% من احتياجات المملكة التي تربو على المليار سنوياً.يكاد يكون الحديث عن المأزق المائي أمراً متكرّراً، حتى إن الأمير حسن ذكَره في رسالته المُوجّهة إلى الداخل الإسرائيلي الشهر الماضي، ووصَفه بـ«الهمّ المشترك» و«نقطة بداية للبدء مجدّداً في إيجاد السلام المرجوّ». أمّا الصحافة المحلية، فتتناول التقارير الإقليمية والدولية عمّا سيهدّد الأمن المائي الأردني خلال السنوات الخمس المقبلة، إذ تتوقّع كارثة مائية إن لم يتوفّر الوصول الآمن إلى مياه الشرب. وهو خطرٌ تلعب دوراً رئيسياً في توليده سياسة رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، الهادفة إلى ليّ ذراع الأردن، على رغم تعالي الأصوات في الدوائر السياسية والأمنية لإعطاء عمّان الاهتمام الكافي وعدم تجاوُزها في خضمّ الانفتاح على الخليجيين.
واضح أن عداء نتنياهو ــــ عبد الله الثاني وصل إلى مرحلة المناكفة، بعد إلغاء زيارة ولي العهد، الأمير حسين، إلى القدس، ثمّ إيقاف الأردن رحلة نتنياهو، ولاحقاً طلَب الأخير إقفال المجال الجوي أمام الطائرات القادمة والمغادرة من عمّان. لكن الحقيقة تؤكد امتلاك إسرائيل اليد العليا في السيطرة على الوضع، فيما لا يبدو أن حراسة الأردن للحدود مع فلسطين المحتلة تقنع نتنياهو بتخفيف الضغط عن شريكه وتقديم يد المساعدة له في ملفّ «كورونا»، مثلاً، بتوفير اللقاحات... والآن، أزمة المياه. هنا، لا يخفى على أحد التجاهُل الإسرائيلي لمراسلات الأردن بخصوص استكمال مشروع «ناقل البحرين» (الأحمر ــــ الميت)، إذ منذ حادثة السفارة التي راح ضحيّتها مواطنان أردنيان بنيران حارس أمن إسرائيلي يحمل صفة دبلوماسية، في تموز/ يوليو 2017، بات مستقبل هذا المشروع ضبابياً، بعدما نقلت الصحافة العبرية تجميد العمل فيه، ما دفع السلطات الأردنية إلى مخاطَبة الخارجية الإسرائيلية وطلب ردّ رسمي لم يصل بعد.
يتعامل نتنياهو مع عمّان بما يخالف التوصيات الأمنية والسياسية المُقدَّمة له


في الصورة الأوسع، يبدو أن ما يدور في الجنوب السوري، حيث امتداد حوض اليرموك المشترك بين الأردن وسوريا، لا ينفصل عن الضغوط الأردنية في ملفّ المياه، مع التحرُّكات الجديدة لإبعاد مقاتلي إيران و»حزب الله» الداعمين للجيش السوري، والإبقاء حصراً (كما اشترط الأردن منذ مدّة على السوريين لفتح معبر نصيب) على مقاتلي أحمد العودة، وهو قائد اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس الروسي المدعوم من الإمارات. وجاءت الضغوط الإسرائيلية على عمّان من أجل إرساء وضع أمني مريح لتل أبيب، لكن من شأنه تعميق الخلاف بين الأولى ودمشق، وهو بالضرورة يناسب نتنياهو ويحقق أهدافاً أمنية من جهة، ومائية من جهة أخرى.
في هذا الشأن، يمكن استحضار دراسة نُشرت في آب/ أغسطس 2017 في مجلة «Science» الصادرة عن «الرابطة الأميركية للعلوم المتقدّمة» (AAAS)، خلصت إلى أن التغيُّر المناخي من جانب، واستقرار الأوضاع في سوريا بعد الحرب من الجانب الآخر، من العوامل التي ستؤدي إلى فقدان الأمن المائي في الأردن بحلول 2100، علماً بأن السبب الثاني سيؤثّر أكثر من الواقع المناخي. وطبقاً لجهات مختصّة أردنية، ارتفع تخزين «الوحدة» المقام على «اليرموك» من 19 مليون متر مكعّب في 2011 إلى 97 مليوناً في 2016، أي أن تخزينه زاد عندما سيطرت الجماعات الجهادية على حوض اليرموك.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا