عمّان | يعيش الأردنيون أسوأ أيّامهم مع جائحة «كورونا»، وسط العدد المحدود من اللقاحات المتوفّرة، مقابل ارتفاع منحنى الإصابات التي تجاوزت تسعة آلاف يومياً، عدا الوفيات التي تناهز السبعين، والإعلان رسمياً عن نسبة إشغال بلغت 100% في بعض الأقسام المخصَّصة لـ«كورونا» في المستشفيات الحكومية. يأتي ذلك بعد أيّام قليلة على حادثة السلط التي سلّطت الضوء على تدهور أوضاع القطاع الصحّي وهشاشة بنيته وضعف كوادره، فيما حكومة بشر الخصاونة تُلوّح، مثل سابقتها، بالعودة إلى الحظر الشامل بعدما نفّذت حظراً جزئيّاً. وهو ما ولّد احتقاناً كبيراً لدى المواطنين الذين يمرّون بظروف اقتصادية سيئة، في ظلّ ارتفاع جنوني لأسعار بعض المواد الأساسية بأكثر من 60%.ويُجلّي تخبّط الإجراءات الحكومية وتضارُب التصريحات الرسمية حالة الاضطراب الداخلي والتلبُّك في دوائر صنع القرار المشغولة بصراعات على مستوى رفيع، تتدخّل فيها قوى خارجية، إقليمية ودولية. مع ذلك، تغيب أخبار الاحتجاجات المحلّية، باستثناء رواية «الأمن العام» الذي يتحدّث عن القبض على متظاهرين يحملون جنسيات عربية، وهذا أمر متكرّر منذ سنوات، بل إن كان حقيقياً، فهو يؤشر إلى استهداف يمسّ أمن الدولة، لكن سرعان ما تذهب هذه الرواية أدراج الرياح بعد سكون الاحتجاجات، التي، على محدوديتها ورمزيتها، تأتي في مرحلة يسعى فيها مستشارو الملك إلى رفع شعبيّته. لكن خروج المواطنين في محافظات عُرفت بالموالاة سابقاً يشي بتململ كبير من الحكم في مئويته الأولى، وهذه المرّة من أبناء العشائر الذين احتضنوا النظام وكانوا ركائز استقراره.
في أيام الملكية الرابعة للملك عبد الله الثاني، تراجَع دور هؤلاء الموالين لحساب شخصيات ليبرالية لا تفرزها العشائر كما في السابق، بل تنتقيها دوائر صنع القرار، مُحدثةً شرخاً في البنى العشائرية، وخاصة أن المناصب الحكومية تخضع لميزان محاصصة مناطقية وعشائرية دقيقة. وهذه المرّة، توزّعت التحرُّكات على المحافظات إلى جانب العاصمة، وهي، على رغم ضعفها، تؤشر إلى ما سيحمله يوم 24 آذار/ مارس الذي يُمثّل الذكرى العاشرة لفضّ اعتصام سنة 2011 في ميدان جمال عبد الناصر ــــ دوار الداخلية، والذي أسفر عن استشهاد مواطن أردني، بعدما استُخدم العنف لتفريق المتظاهرين الذين مثّلوا طيفاً واسعاً من القوى السياسية والشعبية. ومع أن أحداثاً أكبر تلته، فإنه احتفظ برمزيته التي جمعت كلّ الأطراف مقابل الحكومة وأجهزتها الأمنية في أكثر الأماكن حيوية في عمّان.
أمّا على منصات التواصل الاجتماعي، فخرجت شخصيات معارضة لتُعبّر عن تضامنها مع التحرّكات، مُحمّلةً الملك مسؤولية الوضع سياسياً واقتصادياً، مع الإشارة إلى السبب الحقيقي لغضب الملك، وهي رغبة جهات خارجية (قد تكون واشنطن منها) في إعادة وليّ العهد السابق، الأمير حمزة (الأخ غير الشقيق للملك وابن الملكة نور التي عرفت أخيراً بتغريدات تزعج أبو ظبي والرياض) إلى الواجهة. وترافق ذلك مع ظهور حمزة في أحد بيوت العزاء في السلط، بالتزامن مع إعفاء أخيه هاشم (متزوج بسعودية عائلتها مقرّبة من العائلة المالكة) من مهمّاته كبيراً للأمناء. وداخلياً، يتمتع حمزة بقبول جماهيري، وخاصة أنه جرى تحضيره لمهمة ولاية العهد في عصر أبيه، ومن هنا يبدو مفهوماً اللجوء إلى المؤسّسة الأكثر قبولاً وهي الجيش، من أجل إكساب عبد الله توازناً مهمّاً، إن صدقت تلك التقارير حول الضغط عليه لإعادة حمزة.
هكذا، وبدلاً من أن تزيد حادثة إلغاء وليّ العهد الحالي، الأمير حسين، زيارته للقدس، ووقف رحلة رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، إلى الإمارات، من شعبية الملك، لم يتجاوز الحدث مقالات الولاء التي سوّدت أوراق الصحف المحلية، والمواقع الإعلامية المحسوبة على الموالاة، في حين أن المواطن مشغول بهواجس «كورونا» ولقمة عيشه ولا تعنيه الرواية الأردنية للأحداث، بل يفضّل أن يأخذها من الصحافة العبرية التي بات الأردن في دائرة اهتمامها خلال الشهرين الأخيرين. فهي وحدها من تحدّث عن الأمر بوضوح، مشيرة إلى توجيه نتنياهو بعد أيّام بمنع الرحلات الأردنية من دخول المجال الجوي الإسرائيلي. وبينما استجابت وزيرة النقل، ميري ريغيف، لطلبه، مُوجّهةً بإخطار الجانب الأردني بالمنع خلال 45 دقيقة، رفض مسؤولو المطار التنفيذ، وخاصة أن طائرات عدّة غير أردنية تستخدم الأجواء ولا مجال لإيقافها.
يُجلّي تخبّط الإجراءات الحكوميّة وتضارُب التصريحات الرسمية حالة الاضطراب الداخلي


ويُنقل عن نتنياهو غضبه الشديد من تصرُّف الأردنيين الذين منعوا الطائرة الخاصة الإماراتية من مغادرة عمّان إلى تل أبيب لنقله إلى الإمارات، فيما أرجعت أبو ظبي إلغاء الرحلة إلى «مشكلات فنّية» ولم تَلُم عمّان، ليعقب ذلك تغريد نتنياهو بأن وليّ عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، توسّط لحلّ المشكلة التي «انتهت خلال 90 دقيقة». لكن الأكيد أن الأردن ما كان ليخطو خطوة من هذا النوع بلا ضوء أخضر من حلفائه الإقليميين، وعلى رأسهم الإماراتيون الذين سرعان ما لبّوا الطلب الأميركي بالامتناع عن استضافة نتنياهو، مستخدمين عمّان وسيلة لتنفيذ رغبة واشنطن. وإذا دلّ ذلك على شيء، فإنما على أن الحكم في الأردن لم يستطع صياغة معادلة «مجزية» مقابل خدماته للإسرائيليين أو الأميركيين أو حتى الخليجيين، فقد كان يكفي مثلاً طلب لقاحات أو سيولة لضخّها داخلياً لإسكات الغضب الشعبي، لكن إسرائيل رأت أن إعادة 700 عامل أردني إلى وظائفهم في فنادق إيلات منّة منها، وخصوصاً أنها لقّحتهم على حسابها، ما يجعل حساب التراضي على إلغاء زيارة وليّ العهد رخيصاً، وغير كفيل بإسكات هتافات تتحدّث عن «أربعين حرامي»، مع «علي بابا» الذي ليس على أرض الواقع إلا الملك!

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا