القاهرة | مع أن جميع المخصّصات لمشاريع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، التي تنفذها المخابرات العامة باسم الشباب، لا تعلن موازنتها أو تفاصيلها إلّا في أضيق الحدود، عكست أزمة مفاجئة خلافات كبيرة داخل أروقة النظام طفت على السطح مرّة واحدة. ملخّص الأزمة التي تحدث عنها أعضاء البرلمان المحسوبون على المخابرات، تتمثّل في عرقلة وزير المالية، محمد معيّط، صرف مخصصات «الأكاديمية الوطنية للتدريب» التي أُنشئت بقرار رئاسي وتشرف عليها المخابرات وباتت شرطاً رئيسياً في اختيار معاوني الوزراء والمسؤولين، وهي أكاديمية يقول القائمون عليها إنها تحصل على تمويل من الدور الذي تقوم به مع القطاع الخاص.وفق النائب في البرلمان أحمد مقلد، وهو أحد أعضاء «تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين» التي شكلتها المخابرات لتكون نواة للمعارضة التابعة للدولة، فإن معيّط اقتطع 188 مليون جنيه (12 مليون دولار تقريباً) من الأموال المخصّصة للأكاديمية على نحو «يعطّل مشاريعها ويجعلها غير قادرة على إكمال عملها ويضعها تحت ضغط مالي نتيجة عجزها عن الوفاء بالتزاماتها». ولذلك، هدّد نواب التنسيقية باستجواب الوزير إذا لم يصرف المستحقات فوراً و«يتوقف عن اتباع الروتين الحكومي»، في خطوة تعكس الصدام المباشر بين معيّط الذي يوصف دائماً بأنه «منفذ جيد للتعليمات والأوامر»، وبين جهاز المخابرات الذي يقود حملة ضدّه عبر النواب الذين سبق أن أيّدوا جميع المشاريع التي قدّمها لفرض مزيد من الضرائب خلال المدة الماضية.
تقول مصادر لـ«الأخبار»، إن سيناريو المواجهة مع وزير المالية علناً جاء كجزء من صراعات الأجهزة، وخاصة مع اقتراب التعديل الوزاري وسط صراعات متعددة بين جناحَي السلطة مع السيسي: المخابرات العامة برئاسة اللواء عباس كامل، ومدير مكتب الرئيس اللواء محسن عبد النبي، عن ترقب كل طرف لموقف الرئيس وانحيازاته، ولا سيما أن الحديث عن التعديل بات يشمل رئيس الحكومة وليس الوزراء فقط، لكنه أمر لم يُحسم بعد. توضح المصادر أن الرئيس يتابع ما يحدث، لكنه لا يعلّق على أحداث كثيرة ومنها هذا الأمر، فيما يبرر معيّط تعطيل المخصّصات بأنها جزء من مخصّصات معطّلة لجهات كثيرة إثر توجيه مزيد من الأموال لمواجهة تداعيات جائحة "كورونا"، ولا سيما من النشاطات التي يمكن الاقتطاع منها، وخاصة مع توقف التدريبات في الأكاديمية لأشهر، لافتاً إلى الاستجابة السابقة لجميع طلبات القائمين على الأكاديمية في شأن التجهيزات الفنية خلال المراحل السابقة.
يفضّل السيسي ترك الأجهزة تتصارع أحياناً قبل أن يحسم أخيراً


حتى الآن، لم يصدر تعليق رسمي من الوزير على الانتقادات التي طاولته والاتهامات من نواب البرلمان الذين زاد تصعيدهم مع رفض معيّط الرضوخ للتهديدات بالاستجواب داخل البرلمان. على أن الأكاديمية ينظر إليها على أنها واحد من مشروعات النظام الجديد ومن الأماكن التي يجب إعطاؤها مزيداً من الاهتمام ولا سيما في النفقات، بما يخالف التصريحات السابقة من القائمين عليها. وقد أُسست هذه الأكاديمية على أنها أحد مخرجات «مؤتمر الشباب الأول» في شرم الشيخ، وتقول على موقعها الرسمي إنها تنظّم دورات للشركات والقطاع الخاص من أجل تطوير كفاءات الموظفين. ويذكر أنه لم يقدم المسؤولون عنها حتى الآن كشف حساب عن المليارات المنفقة خلال الأعوام الأربعة الماضية، بعدما شُيِّد مبنى كبير لها وفندق في مدينة الشيخ زايد!
ويشرف على الأكاديمية مدير مكتب رئيس المخابرات، الضابط أحمد شعبان، مباشرة، علماً بأنها توفر فرص سفر وتتحمّل تكلفة كبيرة لعدد من المتدربين فيها للدراسة في الخارج، مع الأخذ في الاعتبار شروطاً وضوابط محددة قائمة على أبعاد سياسية ومستوى اجتماعي معين للطلبة المختارين. ويأتي الهجوم على وزير المالية في شأن موازنة الأكاديمية في وقت لم يوفر فيه الوزير أصلاً مئات الملايين لمشروعات عدة جرى توقفها بسبب نقص التمويل خلال الأشهر الماضية، فضلاً عن انتزاع مبالغ كبيرة من وزارات مهمة كالتربية والتعليم والشباب والرياضة لمصلحة قضايا أكثر إلحاحاً. والآن، يُهدِّد نواب التنسيقية بسحب الثقة من الوزير بعد استجوابه في حال تمسكه بموقفه المتعنّت حتى بداية الأسبوع المقبل.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا