بغداد | بدأ البابا فرنسيس زيارة تاريخية هي الأولى من نوعها للعراق، فيما يستبطن أكثر من دلالة، ويُبرز أهمّية هذا البلد على الخريطة العالمية. الزيارة التي تمتدّ لأربعة أيام، تُعدّ أكثر رحلات البابا الخارجية خطورةً منذ انتخابه على رأس الكنيسة الكاثوليكية عام 2012. وحطّت طائرة البابا، أمس، في مطار بغداد الدولي، حيث كان في استقباله رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إضافةً إلى كبار المسؤولين في الحكومة، ليتوجّه بعد ذلك إلى لقاء رئيس الجمهورية، برهم صالح، في القصر الرئاسي، وسط العاصمة بغداد. وكان البابا قد قال في تصريحات مقتضبة للصحافيين على متن طائرته: «يسرّني القيام بزيارات من جديد»، في إشارة إلى جائحة كورونا التي منعته من السفر، مضيفاً إنها «زيارة رمزية وواجب تجاه أرض عانت لأعوام كثيرة».وفور انتهاء لقائه بصالح، توجّه إلى كنيسة سيدة النجاة الواقعة في منطقة الكرادة، وسط بغداد، لتأدية قدّاس حضره عدد كبير من العوائل المسيحية. وشهدت تلك الكنيسة، في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2010، مجزرة إرهابية على يد تنظيم «القاعدة»، أسفرت عن مقتل وجرح العشرات مِمَّن كانوا في داخلها. ودعا البابا من هناك، في كلمته التي لم تخْلُ من الرسائل السياسية، «المجتمع الدولي إلى دعم جهود السلام في العراق»، مطالباً بـ»وضع حدٍّ لانتشار الأسلحة هنا وفي كلّ مكان»، وبتوقُّف ما سمّاها «المصالح الخاصة»، و»المصالح الخارجية التي لا تهتمّ بالسكّان المحلّيين»، قائلاً: «كفى عنفاً وتطرّفاً وتحزّبات وعدم تسامح!». وأشار إلى «أنني ممتنّ لإتاحة الفرصة لي لأن أقوم بهذه الزيارة، التي طال انتظارها إلى هذه الأرض، مهد الحضارة، والمرتبطة ارتباطاً وثيقاً من خلال النبي إبراهيم والعديد من الأنبياء». وأضاف إنه «على مدى العقود الماضية، عانى العراق من كوارث الحروب وآفة الإرهاب، ومن صراعات جلبت الموت والدمار، ولا يسعني إلا أن أذكر الإيزيديين، الضحايا الأبرياء لهجمة عديمة الإنسانية، فقد تعرّضوا للاضطهاد والقتل بسبب انتمائهم الديني، وتعرّضت هويتهم وبقاؤهم نفسه للخطر»، متابعاً أن «التحدّيات المتزايدة تدعو الأسرة البشرية بأكملها إلى التعاون على نطاق عالمي لمواجهة عدم المساواة في مجال الاقتصاد، والتوتّرات الإقليمية التي تهدّد استقرار هذه البلدان». واعتبر أن «العراق مدعوٌّ إلى أن يُبيّن أن الاختلافات يمكن أن تتحوّل إلى تعايش ووئام، ويجب تشجيع الحوار، وندعو إلى الاعتراف بكلّ المجتمعات والاتجاهات، وخاصة أن جائحة كورونا تسبّبت في تدهور الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وهي تتطلّب جهوداً مشتركة، وهناك أهمية لوجود توزيع منصف للقاحات، كما علينا الخروج من محننا بطريقة تُوحّد ولا تُفرّق».
يلتقي فرنسيس اليوم المرجع الديني علي السيستاني في مدينة النجف


ومن المقرّر أن تنطلق الزيارة من بغداد لتشمل ستّ مدن خلال ثلاثة أيام، أولاها مدينة النجف، اليوم السبت، حيث يجتمع بالمرجع الديني علي السيستاني، في لقاء يحظى بنصيب كبير من الاهتمام، ليزور بعدها مدينة أور في محافظة ذي قار، ويقيم مراسم دينية بمشاركة أبناء بعض الأقلّيات، كالإيزيديين والصابئة. وعقب ذلك، من المقرّر أن يشدّ الرحال إلى مدينتَي الموصل وقرقوش في محافظة نينوى، مركز الطائفة المسيحية في العراق، والمكان الذي اختاره تنظيم «داعش» لإعلان إنشاء دولة «الخلافة» في عام 2014. وفي الموصل، سيزور البابا كنيسة الطاهرة التي دمّرها «داعش»، علماً بأن عمرها بحسب بعض السجلات يعود إلى القرن السابع عشر، فيما يُقدّر بعض المؤرّخين أنها قد تعود إلى ألف عام. وعلى بعد نحو 30 كيلومتراً إلى الجنوب، تقع قرقوش المعروفة أيضاً باسم بغديدة والحمدانية، والتي تتمتّع بتاريخ طويل سَبَق المسيحية، ولكن سكّانها اليوم يتحدّثون لهجة حديثة من الآرامية، لغة السيد المسيح. ومن هناك، سيتوجّه البابا إلى مدينة أربيل، عاصمة «إقليم كردستان»، آخر محطّات زيارته، حيث من المقرّر أن يقيم قدّاساً في الهواء الطلق.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا