الرباط | حَسمت «لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة» في مجلس النواب المغربي، مساء أمس، مصير مشاريع القوانين الانتخابية الأكثر إثارة للجدل، والتي جاءت بها وزارة الداخلية في حكومة سعد الدين العثماني الحالية. وصَوّت غالبية أعضاء اللجنة، بحضور وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، على إلغاء «اللائحة الوطنية للشباب»، على رغم دفاع فِرق من الأغلبية والمعارضة، على السواء، عن الإبقاء عليها، في مقابل فريق «الأصالة والمعاصرة» الذي ذهب مع ما جاءت به الوزارة. في المقابل، لم ينفع ترافع أعضاء فريق «العدالة والتنمية»، قائد الائتلاف الحكومي، ضدّ مشروع إصلاح القاسم الانتخابي كما جاءت به «الداخلية»، في إقناع الأغلبية شبه المطلقة من أعضاء اللجنة بالتصويت ضدّه. ولذا صَوّت 29 من أعضاء مُمثّلي الفرق والمجموعات النيابية في اللجنة لصالح المشروع القاضي باحتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجَّلين في اللوائح الانتخابية بدل عدد الناخبين، وإلغاء «اللائحة الوطنية للشباب»، بينما صَوّت ضدّ المشروع 12 عضواً، غالبيتهم من مُمثّلي فريق «العدالة والتنمية». وينصّ القانون التنظيمي الحالي لمجلس النواب على أن تتضمّن اللائحة الوطنية جزأين: الأول مكوّن من 60 مقعداً مخصَّصة للنساء، والثاني من 30 مقعداً مخصَّصة للشباب الذين لا تزيد أعمارهم على 40 عاماً خلال فترة الاقتراع. وبحسب التعديل الجديد، ستُلغى «اللائحة الوطنية للشباب»، عبر إضافة تلك المقاعد المخصَّصة لهم إلى حصّة النساء بهدف دعم تمثيلهنّ داخل البرلمان، إذ ستُصبح الحصّة المخصَّصة لهنّ 90 مقعداً بدل 60 المعتمدة حالياً. ويرى مراقبون للشأن السياسي المغربي أن إلغاء اللائحة المذكورة هو إنهاء لشكل من أشكال الريع السياسي داخل البرلمان كرّسه بعض الأحزاب، بينما تعتقد قيادات حزبية أن هذا الإلغاء هو بمثابة «انقلاب» على «الأسس الديموقراطية» التي وضعها دستور 2011.
وصف «العدالة والتنمية» إلغاء اللائحة بأنه «انقلاب مكتمل الأركان مدفوع من الدولة العميقة»


ويقول الأستاذ الباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري، عبد الإله سطي، في تصريح إلى «الأخبار»، إنه «بتصويت لجنة الداخلية على إلغاء لائحة الشباب، يكون المغرب قد قَطَع مع أحد الأساليب غير المنصفة في تكريس التمثيلية الانتخابية الديموقراطية»، مشيراً إلى أن «اعتماد هذه اللائحة لولايتَين متتابعتَين أظهر أنه لم تكن لها أيّ إضافة نوعية في تجويد العمل البرلماني، باستثناء حالات معدودة لأسماء شابّة تركت بصمتها داخل المؤسسة التشريعية». وأضاف أن «اللائحة تَحوّلت، لدى بعض الأحزاب، إلى وسيلة للمناولة السياسية، بحيث عِوَض الاعتماد في الترشيح على معايير موضوعية تُعتمَد فيها الكفاءة بدرجة أولى، تَحوّلت اللائحة إلى مرتع لترشيح الأقارب والأتباع، بعيداً عن الأهداف الأصلية التي وُضعت من أجلها اللائحة في بداية الأمر». وشدّد على «ضرورة تثمين هذه الخطوة في أفق إنضاج المشهد الانتخابي، من أجل القطع مع كوتا النساء، التي هي بدورها بحاجة إلى مراجعة شاملة».
ويرى الباحث والناشط السياسي، خالد أشيبان، من جهته، «أن المشكلة ليست في اللائحة كآلية قانونية، بل في طريقة تعامل الأحزاب معها»، متسائلاً: «هل يستحق شباب الأحزاب اليوم لائحة تُمكّنهم من الولوج المباشر إلى البرلمان؟ وماذا قدّمت تلك الشبيبات في العشر سنوات الأخيرة؟ كم أطّرت وكم استقطبت؟ أين كانت في الحراكات التي عرفها الشارع في السنوات الأخيرة؟». واعتبر أشيبان، في منشور على حسابه في «فيسبوك»، أن «المشكلة، مرّة أخرى، ليست في الشبيبات، ولكن في الطريقة التي أصبحت الأحزاب تُفصِّل بها تنظيمات موازية على المقاس، تُقدّم فروض الولاء والطاعة، ولا تَخرج عن الخطّ، مع أن العادي هو أن يَخرج الشباب عن الخطّ». وأضاف أن «الشبيبات التي لا ترفع السقف، ولا تتمرّد، ولا تنتصر لقضايا المجتمع، ولا تؤطّر الاحتجاجات، ولا تفتح النقاش مع الشباب في المناطق المعزولة اجتماعياً واقتصادياً، ولا تملأ الفراغ في الساحة، ولا تبدع أشكالاً تواصلية ونضالية جديدة مواكِبة للعصر، لا تستحق اليوم أيّ امتياز يُمكّنها من مقاعد مباشرة في البرلمان».
في المقابل، يصف القيادي في حزب «العدالة والتنمية» المغربي، عبد العزيز أفتاتي، في تصريح إلى «الأخبار»، إلغاء «اللائحة الوطنية للشباب» بأنه «انقلاب مكتمل الأركان قامت به أدوات هيئات مدفوعة من طرف الدولة العميقة والموازية»، معتبراً أن «غرضهم العودة إلى الخلف لما يزيد على ستين سنة، إلى مربّعات الاستبداد والفساد والاندماج المكشوف في الثورات المضادّة المُموّلة بيترو عائلياً، ودفن دستور 2011». ويضيف أن «هؤلاء هم مَن شارك في بداية الولاية في الانقلاب على السيد عبد الإله بنكيران، وسعوا للانقلاب على كلّ شيء، وهم يتّجهون إلى تغذية وحشد كلّ أنواع الاحتقان، مما سيقود إلى طريق مسدود عاجلاً أم آجلاً»، منبّهاً إلى أن «هذا الانقلاب على الخيار الديموقراطي سيكون له ما بعده على مستوى النضالات والتحالفات». ويختتم كلامه بتأكيده «مواصلة النضال ضدّ تحالف الاستبداد والعائلات المستحوذة على الثروة مركزياً ومجالياً، ومواجهة العبث الاستبدادي ولو تَطلّب الأمر ما تَطلّب من زمن وتضحيات».
يُذكر أن المغرب كان قد اعتمد، منذ عام 2011، لائحة مكوّنة من 30 مقعداً للشباب، بهدف تذليل العقبات أمام تلك الفئة لتحمُّل المسؤولية التشريعية، وذلك في أعقاب الحراك الذي عرفه المغرب إبّان ما سُمّي «الربيع العربي»، والذي قاده الشباب المُطالب بالاهتمام بقضاياه المعيشية، وبتجديد النخب السياسية، وتحسين أداء السلطات التشريعية والتنفيذية.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا