القاهرة | لم تكن المكالمة الأولى بين وزير الخارجية المصري سامح شكري، ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن مريحة لأيٍّ من الطرفين؛ لا لشكري الذي استقبل مكالمة تعارُف مثيرة وساخنة من الوزير الأميركي، ولا للمسؤول الجديد في إدارة جو بايدن الساعي إلى الضغط على القاهرة في عدّة ملفات، الأمر الذي يجعل التنسيق بين البلدين مُعلَّقاً، نتيجة اختلاف الرؤى والمواقف، لا سيما في ملفّ حقوق الإنسان.في المكالمة الأولى التي جاءت بعد أكثر من شهر على تسلّم إدارة بايدن مهامها، طلب وزير الخارجية الأميركي الإفراج عن المصريين المحبوسين على ذمّة قضايا رأي، والتوقُّف عن القمع الأمني للمعارضين، وعدم التضييق على منظّمات المجتمع المدني. وهي الاتهامات التي نفاها شكري، مطالِباً بلينكن بمقاربة الحالة المصرية بشكل «أكثر عمقاً»، للتأكُّد من أن جميع الإجراءات التي يتمّ اتخاذها هي «إجراءات قانونية» في المقام الأول، لا تحمل أيّ مخالفات أو انتهاكات لحقوق الإنسان.
وعلى رغم أن الوزير المصري أقرّ بوجود بعض المشكلات مع منظّمات المجتمع المدني نتيجة انحياز بعضها وتدخُّلها في العمل السياسي بشكل فجّ بما يتناقض مع الأهداف التي تأسّست من أجلها، إلا أنه تمسّك بالدفاع عن حرّية عمل المنظّمات في إطار القوانين المُقرّة من البرلمانات المنتخَبة خلال السنوات الستّ الماضية، داعياً إلى الاستماع إلى أصوات من داخل مصر، كما يتمّ الاستماع إلى الأصوات الموجودة خارجها.
حاول شكري ترديد ما يقال في العلن عن الحرّيات والديمقراطية وتحسين الحياة الذي يعمل عليه النظام المصري، فضلاً عن التأكيد أن الاستقرار الأمني هو الضامن الوحيد لوقف العمليات الإرهابية التي تكاد تكون انعدمت بشكل كامل باستثناء عمليات محدودة في سيناء، معتبراً أنه لولا الرؤية المصرية التي يتمّ تنفيذها لما كان ممكناً الوصول إلى هذه المرحلة من الاستقرار الكامل في البلاد. وإذ أبدى بلينكن تفهّمه للمخاطر الخاصة بالإرهاب، فقد شدّد على ضرورة أن لا تُستخدم كذريعة للقمع السياسي. كذلك، تضمّنت المحادثة، التي أُعلنت ببيانات مقتضبة من القاهرة وواشنطن، استفسارات أميركية عن أسباب توقيف سياسيين محدّدين، على الرغم من أن ما قاموا به لم يكن يتجاوز التعبير عن الرأي. كما تضمّنت مناقشات حول القضاء العسكري والقضاء العادي ومدى استقلاليتهما.
تُبدي مصر رغبة في التوافق، بالقبول بتحمُّل تبعات تخزين المياه في بحيرة السدّ


وفي شأن صفقة شراء مصر مقاتلات روسية من طراز «Su-35»، جدّد بلينكن رفض بلاده لها. وتُقدَّر قيمة الصفقة بنحو مليارَي دولار، ويُفترض أن تتسلّم مصر بموجبها 24 طائرة روسية بحلول 2024، لتكون ثاني دولة تمتلك هذه النوعية من الطائرات المتقدِّمة بعد الصين. وفي وقت ترى فيه القاهرة ضرورة تزويدها بطائرات «f-35» التي لم تحصل عليها بسبب الاعتراضات الإسرائيلية، فهي تعتقد أن حجب الولايات المتحدة هذا الطراز المتطوِّر من الطائرات عنها مبرّر كافٍ للتوجُّه نحو روسيا لتعزيز قدرة الجيش المصري جواً.
في المقابل، لم يكن الملفّ الليبي محور خلاف كبير، إذ تمّ التوافق على حثّ الأطراف المختلفين على الالتزام بخارطة الطريق التي أقرّتها الأمم المتحدة، إلى جانب تفاصيل كثيرة أخرى جرى تناولها بشكل أعمق، في وقت طلب فيه شكري من نظيره الأميركي العودة إلى الاهتمام بالشأن الليبي ولعب دور أكبر في هذا الملف.
وكانت المخاوف المصرية من الإدارة الأميركية الجديدة انعكست على قرارات عدّة اتُّخذت وبدأ تطبيقها بالفعل خلال الأسابيع الماضية، في شأن أوضاع العديد من الشخصيات السياسية التي يجري العمل على الإفراج عنها تدريجياً ولو بشروط، على غرار ما حدث مع الدكتور حازم حسني، مدير حملة الفريق سامي عنان، رئيس الأركان الأسبق، الذي كان يرغب في الترشُّح للانتخابات الرئاسية، فيما باتت قائمة أسماء أخرى موجودة على مكتب الجهات المعنيّة للإفراج عنها تباعاً. بالنتيجة، تحاول مصر التعامل مع إدارة بايدن على قاعدة الشدّ والجذب خلال الفترة الحالية، علماً أن جزءاً رئيساً من الأزمة مرتبط بوجود تباين كبير في وجهات النظر، فضلاً عن الضغوط التي يمارسها مصريون مقيمون في الخارج. ومن المتوقّع أن تؤدي سياسة الضغوط الأميركية الراهنة، في ظلّ غياب التوافقات في ملفّات عدّة، إلى تحقيق انفراجة نسبية خلال الأشهر المقبلة في مجال الحرّيات.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا