القاهرة | بعد فترة من الخلافات في وجهات النظر بين مصر والسودان، عاد البلدان إلى التنسيق بينهما في ما يتعلّق بمسألة سدّ النهضة، مدفوعَين بالتقارب الكبير الحاصل أخيراً على المستوى السياسي. يأتي ذلك وسط قرارات إثيوبية منفردة، تحاول القاهرة والخرطوم التعامل معها بشكل متّسق، علماً أن التوتُّر العسكري على الحدود السودانية - الإثيوبية شَكّل جزءاً رئيساً من أسباب التوافق بين العاصمتين.وفي ما يُعتبر عودة إلى المسار السياسي تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، وافقت مصر على المقترح السوداني بشأن تشكيل لجنة رباعية دولية من الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة، بإشراف من الرئيس الكونغولي، فيليكس تشيسيسكيدي، باعتباره رئيساً لـ»الأفريقي»، لتكون شريكاً في المفاوضات السياسية من أجل التوصُّل إلى حلّ لأزمة السدّ. وتبدي القاهرة ثقتها بمواقف الرئيس الكونغولي غير المنحازة إلى إثيوبيا، خلافاً لما حدث مع رئيس جنوب أفريقيا خلال ترؤسه الاتحاد الأفريقي حتى بداية الشهر الجاري.
ويلقى مقترح التوافق على «رباعية دولية»، تكون شريكة في المفاوضات، استجابة مصرية، لكونه يُعدّ تحوُّلاً مهمّاً من جانب الخرطوم، التي كانت تطلب مع أديس أبابا مراقبين أفريقيين فحسب، وهو ما أثار المخاوف المصرية من إمكانية الانحياز وقلّة الخبرة العلمية لدى الأفارقة. وعليه، طلبت مصر من الكونغو الإسراع في تشكيل «الرباعية» للبدء في المفاوضات التي يجب أن تلتزم بجدول زمني ينتهي قبل بداية تموز/ يوليو المقبل، الموعد المُحدَّد من قِبَل إثيوبيا للبدء في المرحلة الثانية من ملء بحيرة السدّ.
وصيغت المطالب المصرية من المفاوضات، والتي قُدّمت إلى الكونغو، بشكل واضح؛ فما ترغب فيه القاهرة هو التوصُّل إلى اتفاق عادل بين الدول الثلاث حول ملء سدّ النهضة وتشغيله، بما يُحقّق التنمية الإثيوبية المنشودة، ولا يُلحق أضراراً جسيمة بدولتَي المصبّ، وفق ما تعهّدت به الدول الثلاث في إعلان المبادئ المُوقَّع في الخرطوم عام 2015، وتبعاً لمبادئ القانون الدولي. كذلك، تدعو القاهرة إلى تحديد ثلاث آليات بشكل واضح وحاسم بما لا يدع مجالاً للتأويل في المستقبل، وهي آلية للتنسيق ومتابعة التنفيذ وتسجيل أيّ مخالفات، وأخرى لحل أيّ خلاف في تفسير ما تمّ الاتفاق عليه وكيفية تنفيذه، وثالثة لضمان تنفيذ القانون الدولي في أي مشاريع مستقبلية.
تُبدي مصر رغبة في التوافق، بالقبول بتحمُّل تبعات تخزين المياه في بحيرة السدّ


وتبدي مصر رغبة في التوافق، بالقبول بتحمُّل تبعات تخزين المياه في بحيرة السدّ، لكن في الوقت نفسه تُحاول إظهار ما تصفه بـ»التعنُّت» الإثيوبي، ولا سيما لناحية بدء التخزين من دون تركيب توربينات توليد الكهرباء في السدّ حتى الآن، وهو ما تُفسّره القاهرة باعتبار أن الهدف من التخزين سياسي وليس لأغراض التنمية كما تُروّج إثيوبيا في المحافل الدولية. وعلى رغم أن القرار الأميركي إلغاء تعليق أيّ مساعدات مُقدَّمة لأديس أبابا بسبب أزمة سدّ النهضة أثار غضباً على المستوى السياسي في مصر، إلا أن ثمّة توقُّعات بِتغيُّر هذا الموقف في المستقبل القريب، ولا سيما أن جميع المفاوضات السابقة، حتى التي جرت برعاية أميركية، لم تقم إثيوبيا بالتوقيع على مخرجاتها. ولذا، يتطلّع المفاوضون المصريون إلى إشراك واشنطن في المفاوضات، من أجل إظهار «التعنُّت» الإثيوبي في التعامل مع المسارين السياسي والفنّي على مدار الأعوام الماضية.
وبينما سيكون جزء من التفاوض بين القاهرة والخرطوم مستقبلاً، حال التوافق الثلاثي في شأن الكمّيات التي ستصل إلى مصر من المياه في مرحلة ما بعد الاتفاق، يبقى الترقُّب لما سيُتّفق عليه في شأن مدّة التخزين في بحيرة السدّ، والتي تخشى مصر من تأثيرها على السدّ العالي بشكل سلبي، ولا سيما في سنوات الملء التي ستُقلّص من كمّيات المياه الموجودة في بحيرة ناصر، والطاقة الكهربائية المُولَّدة من السدّ العالي. وجَدّدت مصر، عبر وزير الريّ محمد عبد العاطي، اتهام إثيوبيا بالسعي إلى استغلال السدّ لتسوية خلافات داخلية، لافتة إلى أن توقيت تخزين المياه أضرّ بالسودان كثيراً، مشدّداً على ضرورة التنسيق المسبق في أيّ خطوة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا