صنعاء | تقترب قوات صنعاء من السيطرة على مدينة مأرب، في ظلّ تحقيقها تقدّماً كبيراً عند تخوم المدينة في خلال الساعات الماضية، وفرضها سيطرة نارية على مركز المحافظة، توازياً ودخولها «مفاوضات اللحظة الأخيرة» مع السلطة المحلية هناك، بحسب ما تصف مصادر مطّلعة في العاصمة. تطوّرات كانت كفيلة باستنفار الجانبين الأميركي والبريطاني اللذين سرعان ما صعّدا دعواتهما «أنصار الله» إلى وقف هجومها المتجدّد على مأرب، إلا أن الحركة تبدو ماضية في عملياتها، في مسعى منها، ربّما، إلى انتزاع هذه الورقة من يد خصومها بشكل نهائي قبيل الجلوس إلى أيّ مفاوضات. يُعزّز ذلك التقدير انبعاث الحراك السياسي والدبلوماسي في أعقاب إعلان جو بايدن وقف دعم بلاده لعمليات التحالف السعودي - الإماراتي في اليمن. وعلى رغم أن تلك الخطوة تبدو غير محسومة المعالم إلى الآن، إلا أنها تفتح الباب على بدء مسار يفترض أن يفضي إلى وضع حدّ للحرب المستمرّة للعام السادس على التوالي.
من أكثر من اتجاه، انطلقت معركة استعادة مدينة مأرب. ومن محاور متعدّدة، بدأت قوات صنعاء تقدّمها نحو تخوم المدينة خلال الساعات الـ48 الماضية، وسط انهيارات متلاحقة في صفوف القوات الموالية للرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي. المواجهات التي تَجدّدت فجر الأحد على الجبهات كافة، ووُصفت بأنها الفصل الأخير من المعركة، استُخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة من قِبَل الطرفين. وعلى رغم الغطاء الجوي الكثيف الذي وفّره طيران التحالف السعودي - الإماراتي لقوات هادي، إلّا أن ذلك لم يَحُل دون سقوط عشرات المواقع العسكرية التابعة للأخيرة تحت سيطرة الجيش و«اللجان الشعبية»، اللذين تمكّنا من الوصول إلى السور الخلفي لسدّ مأرب الشهير جنوب المدينة، وحَقّقا مكاسب عسكرية كبيرة على الأرض على امتداد الجبهات المشتعلة من العلم شمال مأرب، إلى صرواح جنوب غربها، وصولاً إلى مراد والجوبة جنوبها. وأتت هذه التطوّرات بعدما سيطرت قوات صنعاء، الخميس الماضي، على كامل وادي أبلح الذي يُعدّ آخر منطقة في تخوم مدينة مأرب، ومن ثمّ تقدّمت الجمعة إلى مفرق الجوبة عقب سيطرتها على منطقة علفا. وبهذا، لم يتبقَّ في جبهات جنوب مأرب سوى عدة مناطق في الجوبة والعبدية ومراد، في أعقاب سقوط جبهة الأوشال التي تُعدّ أهمّ مناطق مديرية جبل مراد الاستراتيجية.
التقدّم الجديد للجيش و«اللجان» في مختلف جبهات مأرب، وصولاً إلى مشارف المدينة، أصاب قوات هادي بالارتباك، وأفقدها توازنها في المعركة، ما دفعها إلى الاستنجاد ببعض القبائل الموالية للرياض، لوقف تقدّم قوات صنعاء، خصوصاً في جبهة صرواح التي تُعدّ أقرب الجبهات إلى مدينة مأرب. لكن مصادر قبلية في محافظة مأرب أكدت، لـ«الأخبار»، تمكّن الجيش و«اللجان»، خلال مواجهات الأحد التي استمرّت لأكثر من 13 ساعة، من السيطرة على مناطق شعب جميلة والحفا والملح والمنجورة وحصن طويل في وادي ذنة في مديرية صرواح، ومواقع أخرى مشرفة مباشرة على سدّ مأرب، ومناطق الزور والبلق جنوب غرب مدينة مأرب. وأكدت المصادر أن «الانتصارات التي حَقّقتها قوات صنعاء في جبهتَي المخدرة وصرواح كبيرة، حيث تمّت استعادة جميع المواقع العسكرية في صرواح، ومنها الجانب الغربي لمعسكر كوفل، والذي يضمّ ألوية المدرّعات والدبّابات، فيما اقتربت قوات صنعاء من الطلعة الحمراء التي تُعدّ آخر مرتفع جبلي مطلّ على مدينة مأرب». وأضافت المصادر أن «المواجهات العسكرية مستمرّة، ولن تتوقف إلّا بتحرير مدينة مأرب»، مُتوقّعة «تطهير المدينة في أيّ لحظة في حال رفضت سلطات مأرب القبول بالتسليم طوعاً».
الهجوم المفاجئ سيؤثر في نفوذ قوات الغزو السعودي ـ الإماراتي في الجنوب


قوات صنعاء التي شَلّت نشاط معسكر تداوين - الذي يُعدّ مقرّاً لقوات «التحالف» في مأرب - بضربات صاروخية قوية كان آخرها مساء الجمعة (أدّت إلى مقتل أربعة ضبّاط سعوديين اثنان منهم برتب رفيعة وأربعة آخرين موالين لهادي)، اقتربت من المعسكر بشكل كبير. ووفقاً لمعلومات من أكثر من مصدر، فإن «تداوين» أصبح تحت نيران الجيش و«اللجان»، وخالياً من أيّ قوات، بعدما هزّته انفجارات عنيفة قبل أيّام، غادر على إثرها ما تبقّى من قوات سعودية بثلاث مدرّعات، ترافقها أربع عربات عسكرية، صوب خطّ العبر الواقع في نطاق محافظة حضرموت. كذلك، نفّذت قوات صنعاء عملية التفاف ناجحة على تعزيزات عسكرية لقوات هادي في جبهة العلم شمال مأرب وشرق منطقة صافر النفطية، كما تَقدّمت من جبهات غرب مارب باتجاه قيادة قوات هادي في منطقة صحن الجن عند تخوم المدينة.
هذا التقدّم الكبير دفع السعودية، أيضاً إلى سحب ما تَبقّى من دفاعاتها الجوية من منطقة صحن الجن، ومطالبة إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بالتدخل العاجل لوقف عملية اقتحام المدينة. كما أثارت التطورات الأخيرة قلقاً أميركياً وبريطانياً، إذ طالب السفير البريطاني في اليمن، مايكل أرون، «أنصار الله»، بوقف الهجمات العسكرية على مأرب، قائلاً في تغريدة على «تويتر»: «يجب عليهم وقف هذه الهجمات على الفور، وإثبات جدّيتهم في الرغبة في السلام من خلال دعم جهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث». وعلى النحو نفسه، دعت وزارة الخارجية الأميركية، «أنصار الله»، إلى وقف أيّ هجمات عسكرية جديدة داخل الأراضي اليمنية وخارجها. وقالت في بيان: «بينما يتّخذ الرئيس خطوات لإنهاء الحرب في اليمن، تشعر الولايات المتحدة بقلق عميق من استمرار هجمات الحوثيين ضدّ السعودية»، مضيفة: «ندعو الحوثيين إلى الوقف الفوري للهجمات التي تطال المدنيين داخل السعودية، ووقف أيّ هجمات عسكرية جديدة داخل اليمن، لا تجلب إلّا المزيد من المعاناة للشعب اليمني». وردّاً على تلك الدعوات، اعتبر الناطق الرسمي باسم «أنصار الله»، رئيس وفدها التفاوضي، محمد عبد السلام، أن «على بريطانيا وغير بريطانيا أن يتذكّروا أنهم مستمرّون في العدوان وفرض الحصار على الشعب اليمني». وتابع في تغريدة على «تويتر» أن «من يتوجب عليه أوّلاً وفوراً أن يتوقف هو المعتدي المجرم، وأمّا المدافع عن نفسه فهو في مساره الصحيح والمُحقّ، والملامة عليه أخلاقياً ووطنياً وإنسانياً إن تَوقّف قبل أن يتوقف العدوان وينتهي الحصار». ووفقاً لمصادر متطابقة، فإن صنعاء تُجري مفاوضات اللحظات الأخيرة مع قيادة السلطة المحلية في مأرب، وهي بعثت برسائل تطمين إلى سكّان المدينة والقوى الفاعلة فيها بأن الجيش و«اللجان» سيحفظان مصالح الجميع، ويحميان المدنيين من انتهاكات ميليشيات «الإصلاح»، بعدما أحاطا بمركز المحافظة من الجهات الأربع وفرضا السيطرة النارية عليه.
بالتوازي مع ذلك، وجّه مصدر مسؤول في العاصمة صنعاء دعوة لجميع الموالين لـ«التحالف» في مأرب إلى «اغتنام الفرصة والعدول عن القتال في صفوف العدوان والاستفادة من قرار العفو العام قبل فوات الأوان». وقال المصدر إن «على الموالين لما يسمى الشرعية وتحالف الغزاة، سواءً من أبناء مأرب أو المقيمين فيها والقادمين من أخرى، التنسيق بسرعة مع قوات الجيش واللجان الشعبية، ولهم الحق بالاحتفاظ الكامل بأسلحتهم وعتادهم لأنفسهم». جاء هذا في وقت أكد فيه موقع وزارة الدفاع في صنعاء قيام ميليشيات «الإصلاح» (الإخوان) بنهب كمّيات كبيرة من الأسلحة من مخازن استحدثتها خلال الأشهر الماضية داخل مدينة مأرب، ونقلها إلى محافظة شبوة. وأوضحت الوزارة أن تلك الخطوة جاءت بعد فشل الميليشيات المذكورة في حشد مقاتلين من أبناء مأرب ومن سكّان المدينة للدفع بهم إلى خطوط التماس. وأدّت خلافات مالية بين فريق وزير الدفاع الموالي لهادي والمقرّب من «الإصلاح» محمد المقدشي، وفريق رئيس الأركان التابع له والموالي للإمارات صغير بن عزيز، إلى تزعزع الجبهة الموالية للعدوان، وانسحاب أعداد كبيرة من أبناء القبائل منها، بعد استحواذ قياداتها على أكثر من 100 مليون ريال سعودي سَلّمها قائد القوات السعودية، عبد العزيز الشهراني، لهم مقابل حشد أبناء القبائل للقتال، الشهر الماضي.
وتأتي كلّ هذه التطوّرات وسط حالة غضب عامّة جرّاء قيام ميليشيات «الإصلاح» في مدينة مأرب، الأسبوع الماضي، باختطاف ثماني نساء بتهمة الانتماء لحركة «أنصار الله»، وتسليمهنّ لضبّاط سعوديين، بالإضافة إلى مداهمة منزل فتاة تبلغ من العمر 24 سنة بعدد من المدرّعات، ومن ثمّ اقتيادها إلى مقرّ الاستخبارات التابع لـ«الإخوان» في المدينة، وممارسة شتّى أصناف التعذيب بحقها حتى فارقت الحياة. وقد أدّت كلّ تلك الممارسات وغيرها إلى تزخيم المطالبات الشعبية بدخول الجيش و«اللجان» إلى مركز محافظة مأرب والسيطرة عليه.