تستيقظين في الصباح، ومنذ اللحظة الأولى تعرفين أنّكِ في المخيم، الضجة التي تملأ المكان بلكنةٍ فلسطينية بحتة. لحظة خروجكِ من المخيم، تبدأ جولة جديدة من الحياة، مختلفةٌ تماماً عن الحياة داخله. مثلاً سائق الأجرة، تحتاجين إلى أن تخبريه اسم المنطقة التي تريدين الذهاب إليها مرتين، لأنه لم يفهم «لهجتكِ» الفلسطينية، لا تستغربي الأمر كثيراً، صحيح أن الفلسطينيين موجودون في لبنان منذ عشرات السنين بفعل اللجوء (او بالأحرى منذ أكثر من 60 سنة)، وهم جيران للبنانيين منذ..
الأزل! حيث إن البلدين كانا يتبادلان اليد العاملة، لكن بالرغم من كل ذلك، لا تزال اللهجة الفلسطينية «غير مفهومة» لدى كثيرين. واذا حالفكِ الحظ في البداية، ولم ينتبه السائق لجنسيتك، فهو يجدها فرصة ليشتم الغرباء. فمن المعلوم ان «الغرباء» في لبنان، وهم اي جنسية فقيرة، محط شتائم بعض اللبنانيين. ولا يختلف سائق الأجرة عن غيره، بل قد يكون ممثلاً حقيقياً لهذه الفكرة. وستمرين رغماً عنكِ بها، سيحدثك عن «جرائم» الفلسطينيين بحق اللبنانيين، وأنهم سبب دمار هذه البلاد «الهانئة الوادعة» قبل مجيء هؤلاء الـ «(...)»، (يمكنكِ وضع أي شتيمة تريدينها هنا). و اذا ما حزر جنسيتكِ، ينقلب الأمر؛ ليحدثك عن تاريخه «الخالد» مع المقاومة الفلسطينية، وكيف كان يحصل منهم على «بونات» بنزين وسواها من الفوائد، مع التركيز على أنّهم طيبون، لكنهم «جروا البلاد إلى كارثة!».
تصلين إلى عملك، تواجهين منذ البداية، المفاهيم المغلوطة عن الفلسطيني في لبنان؛ هل تأتين يومياً من فلسطين؟ أو هل تعودين إلى «ضيعتك» آخر الأسبوع؟ يصعب كثيراً على معظم اللبنانيين استيعاب أن الفلسطينيات لا يعدن إلى قراهن كل أسبوع، وأنهن لا يسكنّ هناك أصلاً. القسم الآخر الذي يعرف لماماً عن القضية، يتعامل معكِ على أساس أنكِ جزءٌ منقرضٌ من التاريخ، يسكن مكاناً «مخيفاً» هو المخيّم. فالمخيم قصةٌ أخرى، هو «الرعب» متجسداً. قد تتضخم عينا زميلتكِ حينما تعلم أنكِ تأتين من المخيم، وقد تتضخم أكثر إذا ما عرفت أنكِ ولدتِ فيه يوماً! فوسائل الإعلام اللبنانية «شيطنت» المخيمات الفلسطينية وساكنيها للدرجة التي بات فيها الجميع في لبنان يتعامل معها على أنها «أدغالٌ» مرعبة، يسكنها «وحوشٌ»، بينما يتباهى البعض بأنه دخلها يوماً وبقي حياً ليروى حكاياته.
لهجتكِ أو «لغتكِ» بحسب ما «يستوعب» البعض، غير مفهومة ـــ مهما ارتقت مستويات الناس العلمية هنا ـــ فهي صعبةٌ للاستيعاب. فكلمة «شو مالك؟»، باللهجة الفلسطينية على سبيل المثال، تختلف عن «شو بكي» باللبنانية! وبرغم أنه لا فارق بينهما في المعنى، إلا أن السخرية التي تتعرضين لها بعد استخدامك للكلمة، تدفع بالعديد من الفتيات الفلسطينيات إلى «لي» ألسنتهن واستعمال لهجة لبنانية، تجنباً للسخرية، أو للتصنيف أو حتى للشعور بالدونية. فمن ير أن المخيم سجن مخيف، وأن لهجتكِ «غير مفهومة»، لا يمكنه أن يعاملكِ على أساس المساواة أبداً.
هذا غيضٌ من فيض، والقليلٌ القليل مما قد تمرين به كفلسطينية، دون أن تنسي بالتأكيد مروركِ بكل ما تعانيه الأنثى كأنثى، من تمييز وإشعارٍ بالدونية. هكذا تحيا الفلسطينية يومياً، بتحدٍ، وتكمل.



إحصاء

تشير دراسةٌ أعدها مركز الابحاث والدراسات الأوروبية، الى أن عدد النساء الفلسطينيات اللواتي يدخلن سوق العمل اللبناني يقل عن 25 بالمئة، كما تحدد الدراسة أسباب ذلك بالعنصرية والتمييز أولاً، الشعور بالاغتراب عن المخيم ثانياً، والشعور بالدونية ثالثاً. الدراسة التي لم يصدر اي تعليق محلّي عليها، لا تزال موضع جدل، لكنها تسلط ضوءاً على دخول «العاملة» الفلسطينية إلى سوق العمل اللبناني المحلي، ومدى قدرتها على الاندماج فيه.