بغداد | بعد أسبوع من حادثة «الخميس الدامي» في بغداد، نفّذت القوات الأمنية العراقية عملية الخميس الماضي استهدفت ما يُسمى «والي العراق» في تنظيم «داعش»، المكنّى «أبو ياسر العيساوي» في وادي الشاي قرب بلدة الحويجة بمحافظة كركوك شمال العراق. العملية التي حملت اسم «ثأر الشهداء» أسفرت أيضاً عن مقتل عدد من قادة التنظيم وأعمدة الصف الأول، وأبرزهم: لائق محمد داود البياتي المكنى «شلعيان»، و«أبو ريتاج» الناقل الخاص بالإرهابي جبار سلمان العيساوي، وغسان نجم صالح أحمد العبيدي المكنى «أبو ملك»، وهو مسؤول «داعش» في كركوك، وعدد آخر من الإرهابيين كانوا يرتدون أحزمة ناسفة طوال الوقت. تأتي هذه العملية بعد تصاعد نشاط التنظيم في وقت كثفت فيه الأجهزة الاستخبارية جهودها لكبح تحركاته ومنعه من استعادة نفوذه في المدن المحررة، وأيضاً الحد من قدراته في تنفيذ عمليات نوعية، كما تنقل مصادر قالت إن الأجهزة الأمنية «نفذت عملية نوعية تؤثر سلباً في قدرة التنظيم على مواصلة مخططاته»، وعليه «اختير هدف نوعي لإيصال رسالة بأن العملية انتقام وثأر لشهداء وجرحى ساحة الطيران، وأن الأجهزة الأمنية والاستخبارية تمتلك زمام المبادرة والقدرة على اختراق التنظيم». الهدف كان العيساوي، واسمه جبار سلمان علي والكنية نسبة إلى قبيلته، وقد انتمى إلى تنظيمات مسلحة عدة قبل «داعش»، وهو من مواليد 1982. عُرف عنه مزجه بين القسوة والتفاهة ومحاباته أقاربه داخل التنظيم وحبه للمال، ليشغل بعد 2014 مناصب عدة في التنظيم؛ منها ما هو عسكري في «ولاية الجنوب»، قبل أن يصير «والي الجنوب» بعد عزل المكنّى حجي عارف عقب انسحاب الأخير وتسليمه الفلوجة دون قتال (قُتل لاحقاً)، ثم صار «والي البركة» في سوريا، وأخيراً «والي العراق» بدلاً من سلفه المكنى «أبو ميسرة». وللعيساوي خبرة عسكرية أهّلته لأن يتولى مهمات عدة في «داعش»، إذ كان المشرف على هجمات التنظيم في الفلوجة بحكم تداخل مسؤوليته مع «ولاية الفلوجة»، كما كان المشرف العسكري على معارك الموصل، وأيضاً القائم، فضلاً عن مشاركته في بعض الهجمات المسلحة في سوريا. وبحكم منصبه الأخير، هو متورط في كل العمليات الانتحارية والهجمات المسلحة بحق المدنيين والقوات الأمنية داخل المدن وخارجها في العراق منذ 2018 حتى مقتله.
وفق مصادر أمنيّة، جرت العمليّة بالتعاون مع «التحالف الدولي»


يقول مصدر أمني رفيع لـ«الأخبار»، إنه جرت «متابعة الإرهابي العيساوي منذ قيام التنظيم ما يسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام... وُجّهت أكثر من ضربة جوية، لكنها لم تسفر عن مقتله، ثم استمرت المتابعة الاستخبارية له في جميع القواطع في العراق وسوريا، وبعد تنصيبه والياً للعراق جُمعت المعلومات عنه وعن دائرة علاقاته والأشخاص الذين يرتبطون به وتم تحديد مكانه في منطقة وادي الشاي ووادي زغيتون». يضيف المصدر: «تمت عمليات الاستطلاع والرصد وتحديد الأماكن التي يتردد إليها والأشخاص الذين يمكثون معه، وهكذا جرى تنفيذ العملية بنجاح دون خسائر في صفوف القوات الأمنية... العملية تمت بالتعاون مع التحالف الدولي»، خالصاً إلى أنه بمقتل العيساوي «خسر التنظيم كثيراً من الخبرات التي يمتلكها كونه من المؤثرين فكرياً وعقدياً وعسكرياً». وتتوقع الأوساط الأمنية أن تؤثر «الثأر للشهداء» في قدرات التنظيم القتالية والمعنوية، بل يذهب بعضهم إلى أن آثارها ستشبه الانكسار والإحباط الذي تعرض له «داعش» إثر مقتل زعيمه «أبو بكر البغدادي»، وذلك لما يمثله العيساوي من رمزية كونه مقرباً من البغدادي وكان نائباً له، فضلاً عن أنه تحكّم في ملفات مهمة ومعلومات حساسة وقتله سيؤدي إلى صعوبة في التواصل بين القيادات. لكن من المحتمل أن يحاول التنظيم تجنب إظهاره حالة الانكسار وذلك بتنفيذ عملية إرهابية انتقاماً لقتل قياداته. ورداً على سؤاله عن الجهة المنفذة والأدوار الموزعة للجهات المشاركة في العملية، قال المصدر: «شارك جهاز المخابرات الوطني بالتنسيق مع الأجهزة الاستخبارية والتحالف الدولي، كما شاركت الشرطة الاتحادية المسيطرة في تلك المنطقة، إلى جانب قوات من جهاز مكافحة الإرهاب التي نفذت عمليات إنزال».
ويرى متابعون أن قتل العيساوي ومن معه سيجبر «داعش» على الانكفاء في ملاذاته في المناطق النائية لوقت وإعادة حساباته في ما يتعلق بالعودة إلى اختراق المدن مجدداً، إضافة إلى تبديل مواقع قادته وإبعادهم عن مناطق الخطر، وليس أخيراً العودة إلى استراتيجيته السابقة المتمثلة في التمويه والتخلص من المتابعة الاستخبارية كادّعاء مقتل قادته. وبينما تتواصل حالة الاستنفار في شوارع العاصمة بغداد والمناطق الأخرى، يكشف المصدر نفسه أن التنظيم سارع إلى اختيار بديل، وسط ترجيحات بـ«تكليف المكنّى أبو مسلم العيثاوي لقيادة ولاية العراق».