بعد مخاض عسير دام أربعة أشهر، تنطلق، اليوم، المرحلة الأصعب في المسار السياسي الليبي الذي ترعاه الأمم المتحدة، باجتماعات لأعضاء «ملتقى الحوار السياسي» تستمرّ حتى الخامس من شباط/ فبراير الجاري، من أجل الاستقرار على المرشّحين لمنصبَي رئيس المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة، وسط تفاؤل حذر يسود البعثة الأممية. وحصلت هذه الأخيرة على تعهّدات من جميع المرشّحين بالتزام خريطة الطريق التي تنتهي بإجراء الانتخابات بحلول 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021، وتقديم إقرارات مالية تتضمّن كل ممتلكاتهم داخل ليبيا وخارجها هم وعائلاتهم، مع تعهّدات كتابية بعدم ترشّحهم في الانتخابات، ضمن إجراءات تستهدف ضمان نزاهة العملية الانتخابية.لكن تلك التعهّدات تثير كثيراً من القلق في شأن مصير عدّة أشخاص مرشّحين، من بينهم رئيس المجلس الأعلى للقضاء ورئيس المحكمة العليا محمد الحافي، الذي قَدّم أوراق ترشّحه لرئاسة المجلس الرئاسي، في الوقت الذي سيكون فيه الحافي، حال فشله في الوصول إلى المنصب، رئيس المحكمة التي يُفترض أن تنظر في أيّ طعون في العملية الانتخابية، وهو ما دفع عدداً من القضاة إلى مطالبته بالاستقالة قبل خوض الانتخابات، لضمان عدم الاعتراض على أيّ أحكام قضائية مستقبلاً، الأمر الذي لم يلقَ ردّاً حتى من البعثة الأممية التي تواجه انتقادات كثيرة. ومن ضمن الانتقادات المُوجّهة إلى الأخيرة، عدم الإعلان عن نتائج تحقيقات في تقديم رشى خلال تصويت أعضاء «الملتقى» على المقترحات المتّصلة بآلية اختيار المرشّحين في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، والتي يخشى مراقبون أن توثّر على نتائج التصويت، ولا سيما أن عبد الحميد دبيبه، الذي ذُكر اسمه كأحد دافعي الأموال للفوز بالتصويت، هو من ضمن قائمة المرشّحين لمنصب رئيس الوزراء.
ستكون السلطة التنفيذيّة الجديدة مسؤولة عن إجراء انتخابات برلمانيّة ورئاسيّة


وبحسب ما تَوصّل إليه الليبيون في اجتماعاتهم خلال الفترة الماضية، فإن المجلس الرئاسي سيتكوّن من 3 أعضاء ورئيس للوزراء، يعاونه نائبان. وسيتولّى المجلس إعادة توحيد مؤسّسات الدولة المفكّكة، مع السعي لفرض الأمن وتحقيق الاستقرار. وتضمّ قائمة المرشّحين لتلك المناصب 45 شخصاً، من بينهم ثلاث نساء تكاد تكون فرصهن في الفوز معدومة. ويبرز من بين المرشّحين لرئاسة الوزراء رجل الأعمال أحمد معيتيق الذي يشغل منصب نائب رئيس المجلس الرئاسي، بالإضافة إلى فتحي باشاغا وزير الداخلية الحالي في حكومة «الوفاق» والساعي للمنصب بشكل علني منذ شهور، في وقت يغيب فيه اسم رئيس «الوفاق» فايز السراج عن قائمة المرشّحين بشكل كامل. كذلك، طرح رئيس مجلس النواب المنعقد في طبرق، عقيلة صالح، اسمه كمرشح لرئاسة مجلس الرئاسة، وسط غياب اسم اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وبموجب الخريطة الانتقالية، فإن السلطة التنفيذية الجديدة ستكون مسؤولة عن إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في 24 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، على أن تلتزم بجميع الأحكام والإجراءات الصادرة عن «ملتقى الحوار السياسي»، وهو الدور المنوط برئيس الحكومة بالدرجة الأولى. وستقوم الحكومة، طبقاً للرؤية الأممية، بوضع برنامج يضمن تنفيذ كل التعهّدات المتّفق عليها وفق مخرجات «ملتقى الحوار»، والتي ستُعرَض على مجلس النواب من أجل نيل الثقة في خطوة تستهدف إعادة لمّ المجلس الذي لم ينعقد كاملاً منذ 2014 حتى اليوم. أمّا رئيس المجلس الرئاسي فسيتولّى عدّة مهمات؛ منها وظيفة القائد الأعلى للجيش، مع أحقيّته في تعيين القيادات وفق التشريعات والقوانين المُطبّقة، وصلاحيته في إعلان حالة الطوارئ وقرار الحرب والسلم بعد موافقة مجلس النواب، فضلاً عن تشكيل مفوّضية وطنية عليا للمصالحة، وإطلاق مسار المصالحة، شرط أن تكون جميع قرارات المجلس بالإجماع، مع بطلان ما يصدر خلاف ذلك.
وعلى رغم الضوابط الموضوعة على كلّ منصب، فإن مشكلة توحيد المؤسسة العسكرية ستكون الأبرز، وخاصة في ظلّ إحجام قوات حفتر إلى الآن عن إبداء استعدادها بشكل مباشر لتسليم السلاح. وعليه، يُتوقّع أن ينتهي الأمر بمفاوضات وتنازلات يقدمها كلّ من رئيس المجلس الأعلى الذي سيكون قائداً للجيش، وقوات حفتر التي تتمسّك بتأجيل تسليم سلاحها إلى حين خروج المرتزقة من ليبيا بشكل كامل. وجاء خلوّ قائمة المرشّحين للمناصب الانتقالية من اسمَي حفتر والسراج من أجل إبعادهما عن المشهد السياسي مؤقتاً، ولا سيما في ظلّ رغبتهما في الترشّح في الانتخابات المقبلة. وتواجه عدّة مؤسّسات في الدولة انقسامات، سيكون على السلطة الجديدة التعامل معها وفق المعطيات المتاحة، وفي ظلّ الرقابة الأممية للعملية الانتقالية. ويسود ترقّب لهويّة الفائزين بالمناصب، ومدى قدرتهم على التعاون والعمل معاً، ولا سيما مع اتّباع قاعدة «تمثيل الأقاليم» التي جرى على أساسها توزيع المناصب لتحقيق توازن بين جميع المناطق.