بقية الشهور استمرت خذلاناً للقضية الفلسطينية من العرب؛ فقد بدأت الإمارات الهرولة نحو التطبيع ولحقتها سريعاً البحرين والسودان، وليس أخيراً المغرب، فيما عقدت السعودية حوارات سرية تمهيداً لإعلان شبيه خلال العام المقبل، موجهة بذلك ضربة إلى «مبادرة السلام العربية» التي أطلقتها، ليُحرم بذلك الفلسطينيون الظهيرَ العربي. وعلى خلفية خطة الضم وقبيل مسلسل التطبيع، أعلنت السلطة في 20 مايو/أيار انسحابها من جميع الاتفاقات والالتزامات مع إسرائيل والولايات المتحدة ووقف «التنسيق الأمني» والتوقف عن تسلم أموال العائدات الضريبية، لكن هذا لم يدم أكثر من ستة أشهر، لتعيد علاقاتها بالاحتلال في 17 تشرين الثاني/نوفمبر، بعد حصولها على «ورقة» من منسّق حكومة الاحتلال في الضفة، يعبّر فيها عن التزام العدو بالاتفاقات الموقّعة! طوال الأشهر الستة، عانت رام الله من أزمة مالية نتيجة رفضها تسلّم أموال «المقاصة» التي تغطي ثلثي موازنة السلطة سنوياً، فلم تستطع دفع رواتب الموظفين كاملة لخمسة أشهر، واكتفت بنصف راتب، كما قلّصت رواتب موظفي غزة بصورة كبيرة، علماً بأنها كان لا بد أن تعود إلى تسلّم الأموال، لأن الاتفاقية تنصّ على حذفها بعد مرور ستة أشهر على رفض التسلّم، وهو ما لم تصارح به رام الله الجمهور.
كما كل سنة، لم تخلُ 2020 من قضية ترتيب البيت الداخلي عبر الحديث عن المصالحة التي نَمَت الآمال في إمكانية تحققها وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وأخرى لـ«المجلس الوطني»، بعد اتجاه السلطة نحو مواجهة «صفقة القرن» و«الضم» والتطبيع العربي ظاهراً. لكن هذه الآمال خفتت، وأعيد إغلاق ملف المصالحة بعد تراجع السلطة عن خطواتها وإعادة علاقاتها مع الاحتلال، وتعثر حركتي «حماس» و«فتح» في التوصل إلى آلية مناسبة للانتخابات. وبالتوازي، زاد وضع غزة سوءاً، إذ ارتفعت نسب البطالة بصورة قياسية وصلت، وفق جهات اقتصادية، إلى أكثر من 70%، فيما تراجع معظم الأنشطة الاقتصادية ما بين 80 ــ 95%، رغم استمرار إدخال المنحة القطرية لتصرف على مئة ألف أسرة شهرياً، وذلك ضمن تفاهمات التهدئة. وبعد سبعة أشهر من الحماية، دخل فيروس «كورونا» ليزيد الطين بلة، ما تسبّب في تدهور اقتصادي خطير جداً أثّر في مئات آلاف الأسر التي كانت تعيش باليومية، كما تواصلت الأزمة المالية لحكومة غزة التي تديرها «حماس» واستمرت في دفع أنصاف رواتب.
إلى جانب «صفقة القرن» و«خطة الضم» جاء مسلسل التطبيع وأزمة «الأونروا»
في الميدان، واصلت الفصائل مراكمة قوتها وتطوير قدراتها الصاروخية والهجومية، إذ أطلقت في إطار التجريب أكثر من 250 صاروخاً على البحر، بعضها وصل إلى مديات كبيرة لم تعلن سابقاً، لتتوّج استعداداتها التي تحمل رسائل ردعية للاحتلال بمناورة هي الأكبر في تاريخ النضال الفلسطيني قبل نهاية العام بثلاثة أيام. وخلال السنة نفسها، خاضت المقاومة جولة مواجهة واحدة مقارنة بخمس جولات خلال 2019، ما دفع رئيس هيئة أركان العدو، أفيف كوخافي، إلى الاعتراف بأن هذا العام هو الأقل في إطلاق الصواريخ مقارنة بما سبقه. مع هذا، تواصل إطلاق الصواريخ بالتنقيط، والبالونات الحارقة، والغارات الإسرائيلية، على نحو شبه شهري، الأمر الذي أبقى حالة التوتر شاخصة، بل اقتربت الأمور من مواجهة شاملة مرتين على الأقل: الأولى في شباط/فبراير والثانية في آب/أغسطس، قبل أن تنجح مصر في احتوائهما. واللافت أن 2020 لم يخلُ من استهداف تل أبيب، وهو أمر بات معتاداً سنوياً من المقاومة، في رسالة تذكير بقدراتها، رغم أن أحداً لم يتبنّ الصواريخ، وجاء التبرير للوسطاء بأنها نتيجة «خطأ فني بفعل البرق».
كذلك، تُعدّ 2020 الأبرز في الحديث عن مستقبل «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) التي عانت من أزمة مالية خانقة وصلت إلى عجزها عن دفع رواتب موظفيها، في حين بلغ إجمالي العجز أكثر من 120 مليون دولار. أيضاً غيّبت 2020 عدداً من الشخصيات، أبرزهم الأمين العام السابق لـ«الجهاد الإسلامي» رمضان شلّح، وكبير المفاوضين صائب عريقات الذي توفّي بفعل «كورونا»، وقد لحقه نائب الأمين العام لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، عبد الرحيم ملوح. من جهة أخرى، شهد 2020 تحركاً جديداً في ملف الجنود الأسرى لدى المقاومة، لكن هذا التقدم اصطدم بالوضع الداخلي الإسرائيلي الذي عرقل إنجاز تبادل جديد. وبالأرقام، كانت حصيلة الشهداء لهذا العام 24 في الضفة و8 في القدس و10 في غزة، فيما بلغ عدد الأسرى في السجون ما يقارب 4700، بينهم 38 أسيرة و170 طفلاً و500 إداري و1300 حالة مرضية.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا