القاهرة | واصل النظام المصري خلال سنة 2020 ممارسة قوّته في إحكام القبضة الداخلية وفرض مزيد من إجراءات القمع على مواطنيه، فيما لم يحقق إنجازاً يذكر على مستوى السياسة الخارجية في معظم القضايا التي ظلّت تراوح مكانها. فقد كسبت إثيوبيا مزيداً من الوقت في تشييد «سد النهضة»، بل فرضت شروطها على مصر بعدما تهرّبت من التوقيع على الاتفاق الذي جرى التوصل إليه برعاية أميركية مطلع العام، ثم عملت على تخزين كمية المياه المطلوبة للعام وفق الخطة المنفردة التي وضعتها لملء خزان السد مع قرب اكتمال بنائه، لكن انهيار «سد بوط» السوداني عوّض القاهرة عن كميات المياه التي خزنتها أديس أبابا. بعد ذلك، ماطلت الأخيرة في المفاوضات التي يرعاها الاتحاد الأفريقي بعدما تراجعت مصر عن التوجّه إلى مجلس الأمن، لكن الاتحاد لم يتوصل إلى التوقيع على أي اتفاق ملزم. في المقابل، تحسنت العلاقات المصرية ــــ السودانية كثيراً بعد توتر استمر منذ عزل الرئيس عمر البشير، وسط تفاهمات في قضايا عدة، ومساعدة القاهرة للخرطوم في التحرك دولياً بل تقديمها مزيداً من المساعدات المباشرة. أما على جهة الغرب، ورغم المساندة المصرية لتحركات قوات المشير خليفة حفتر والعداء مع حكومة «الوفاق الوطني» ورفض مشاركة رئيسها فائز السراج في أي اجتماعات، تغيّر الموقف ليصير إلى فتح قنوات اتصال بين القاهرة وطرابلس، والتشديد على تفاهمات تضمن منع أي تدخل تركي في محور سرت ــــ الجفرة الذي حدده نظام عبد الفتاح السيسي كخط أحمر لن يسمح بتجاوزه، بعدما قلبت المساعدات العسكرية التي قدمتها أنقرة إلى طرابلس ميزان القوة وأرجعت حفتر إلى حدوده السابقة.
حاولت مصر استخدام الملف الليبي كورقة ضغط على أطراف إقليمية، ولا سيما الاتحاد الأوروبي عقب الانتقادات الحقوقية لسجل «المحروسة». مع ذلك، لم ينفع كثيراً استخدام الملف الليبي وقضية تقسيم الثروات في شرق المتوسط كورقتَي ضغط على دول الاتحاد بما فيها إيطاليا التي شهدت حالة غضب على خلفية الإغلاق المصري لملف مقتل الباحث جوليو ريجيني عام 2016 بتقييد القضية ضد مجهول، فيما دانت التحقيقات الإيطالية خمسة ضباط مصريين رفضت القاهرة تسليمهم. وعلى مستوى العلاقات المصرية ــــ الخليجية، لم تشهد العلاقة مع السعودية تحولات أو تغيرات جذرية، بل صاحبها هدوء وترقب، فيما شهدت العلاقة مع الإمارات صعوداً وهبوطاً ارتبطا بدور مصري في التطبيع الإماراتي ــــ الإسرائيلي، وصولاً إلى الغضب من سرعة التطبيع بصورة تخالف التوقعات المصرية في هذا الشأن، فيما عادت التنسيقات بقوة بين القاهرة وعمان وبغداد بصورة لم تحدث منذ عقود.

يواجه مئات الآلاف أزمات في إيجاد وظائف بعد وقف التعيينات الحكومية (أ ف ب )

داخلياً، رغم الأرقام الإيجابية التي حققها الاقتصاد المصري مقارنة باقتصادات المنطقة على خلفية جائحة كورونا، فإن مستوى المعيشة للمواطنين واصل انخفاضه حتى مع تراجع التضخم وانخفاضه لأسباب عدة، بينها تدنّي الأجور ولجوء عدد كبير من الشركات وأصحاب الأعمال إلى تسريح موظفيهم بسبب الأزمة وخاصة في القطاع السياحي الذي أغلق أبوابه كلياً وفشل في استعادة عافيته حتى مع التسهيلات الحكومية المتعددة خلال الشهور الماضية. إغلاق قطاع السياحة والطيران بصورة شبه كاملة جعل نحو عشرة ملايين مصري بلا عمل، سواء مباشرة أو غير مباشرة. كذلك، تراجع الإنفاق الحكومي على الدعم الموجّه إلى المواطنين، مع استمرار القروض، سواء من «صندوق النقد الدولي» أو «البنك الدولي» من أجل البرامج التنموية وسداد عجز الموازنة، لكن مع تطبيق مزيد من الزيادات الضريبية والرسوم على المواطنين ورواتبهم لدعم موازنة الدولة.
ورغم استمرار الدولة في رفضها إجراء أي مسابقات للتعيينات في الوظائف الحكومية، مع وقف الوظائف الرسمية وقصر العمل على التعاقدات المؤقتة، واجه عشرات الآلاف من الشباب مشكلات مرتبطة بغياب فرص العمل الحقيقية بأجور مرضية، فيما باتت غالبية الفرص المتاحة للحرفيين في المشروعات القومية وبأجور زهيدة للغاية، وخاصة أن الجيش يسند تنفيذ المشروعات الكبرى إلى شركات من الباطن تدفع أجوراً زهيدة للعمال جراء حصولها على أموال أقل من تكلفة التنفيذ. على صعيد آخر، شهدت 2020 إجراء انتخابات مجلسَي النواب والشيوخ، لكنها كانت إحدى السنوات التي شهدت تزويراً فجّاً لأصوات المواطنين مع عزوف كامل عن المشاركة في الحياة السياسية وإقصاء للمعارضين وتزوير للانتخابات بتسجيل أرقام إحصائية مختلفة في اللجان الرئيسية، مع حشد وإنفاق لمليارات الجنيهات من رجال الأعمال على رموز النظام وإرضاء لهم، من أجل تشكيل غرفتَي برلمان لا تحملان أي معارضة.
انتهت 2020 بغرفتَي برلمان لا يوجد فيهما أيّ صوت معارض


حقوقياً، وسّع النظام الهجمة على المنظمات الحقوقية المناهضة للقمع، وأبرزها «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» التي لوحق عدد من العاملين فيها وقبض عليهم قبل إخلاء سبيل معظمهم على خلفية ضغوط أوروبية وأميركية، فيما يستمر سجن مئات السياسيين بموجب قرارات إدارية ودون أدلّة جازمة على تورّطهم في مخالفات قانونية، على غرار المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح. أما رئيس الأركان الأسبق الفريق سامي عنان الذي سُجن لنحو عامين بعد اعتزامه منافسة السيسي في الانتخابات الرئاسية، فيلتزم الصمت منذ الإفراج عنه أواخر 2019.
وعلى خلفية رغبة الدولة في جمع مزيد من الأموال، نفذت الأجهزة الأمنية حملات ضد رجال أعمال لإجبارهم على سداد تسويات مالية بمليارات الجنيهات قالت إنها أموال لم تسدّد، أو ثمن لأرض حصلوا عليها في أوقات سابقة بأسعار أقل من سعرها الحقيقي، كما فرضت رسوماً للتصالح على كبار رجال الأعمال وصلت إلى مليارات الجنيهات، ورسوماً للتصالح على صغار المواطنين من ملاك العقارات، ما أثار حالة غضب كادت أن تتحوّل إلى احتجاجات شعبية لتقرّر الحكومة تعديل الرسوم وتخفيضها وتقسيطها وإجراء مزيد من التسهيلات لتخفض القيمة بنسبة 90% في غالبية المناطق. واستغل النظام الإجراءات الخاصة بالمخالفات المالية لتهديد عدد من رجال الأعمال المعارضين، وأبرزهم صلاح دياب المقرّب من السفارة الأميركية ومالك صحيفة «المصري اليوم». وأُجبرت الصحيفة على تخفيض سقف حريتها كحال غالبية الإعلام الذي صار قيد التأميم الكامل بصورة غير معلنة، فيما واصلت الداخلية انتهاكات الحقوق في عدد من القضايا من دون تقديم ضبّاطها إلى محاكمات عادلة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا