تتعرّض باكستان لضغوط شتّى يراد من ورائها جرّها بالقوّة إلى التطبيع مع إسرائيل والتموضع ضمن محور لا يزال في طور التشكُّل. محورٌ تشتغل السعودية، ومن ورائها الولايات المتحدة، على تعزيزه ورفده بدولٍ ترى في مهادنة إسرائيل مصلحةً لكفّ يد إيران عن المنطقة. لكن حسابات إسلام آباد لا تبدو متطابقة، على الأقلّ في المدى المنظور، مع رغبة حليفتها الحَرِدة في دفعها إلى حضن تل أبيب. وهو حردٌ نما وتمدّد في أعقاب انتقاد البلد الآسيوي نأيَ المملكة بنفسها عن قضية كشمير، وتلويحه بجمع قادة دول إسلامية خارج عباءة "منظمة التعاون الإسلامي" التي تهيمن عليها الرياض، لنصرة تلك القضية. وعلى رغم مساعي باكستان إلى تدارك الموقف، عن طريق إيفاد رئيس أركانها، قمر جاويد باجوا، منتصف آب/ أغسطس الماضي، إلى السعودية لاحتواء التوتّر، لم يفلح التودُّد في رأب الصدع. وهكذا، كلّما اغتاظت الرياض وارتفع منسوب التوتّر بينها وبين إسلام آباد المكبّلة بالدين، عاجلتها بالدعوة إلى سداد القرض الميسّر. وكما حصل في أعقاب واقعة "التمرُّد" الباكستاني، حين اضطرّت إلى دفع مليار دولار قبل حلول موعد استحقاقها (هي جزء مِن حزمة إنقاذ أعلنت عنها السعودية في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2018، بقيمة 6.2 مليارات دولار: 3 مليارات على شكل قروض، فضلاً عن تسهيلات ائتمانية نفطية بـ 3.2 مليارات دولار)، يبدو أن المملكة أرغمت باكستان، مرّة جديدة، على سداد المبلغ المتبقّي، بعدما أعلن رئيس وزرائها، عمران خان، الشهر الماضي، أن بلاده تتعرّض لضغوط مِن قبل الولايات المتحدة و"دول صديقة" لم يسمّها للاعتراف بإسرائيل، مؤكداً أنه لن يُقدِم على خطوة كتلك "ما لم تكن هناك تسوية تُرضي الفلسطينيين". وإذ سارع وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قرشي، إلى نفي صحّة التقارير التي تحدّثت عن سداد بلاده قرضاً بقيمة ملياري دولار للسعودية، والتشديد على "العلاقات المثالية" بين البلدين، أكّد مسؤولون باكستانيون لـ"رويترز" أن إسلام آباد أرجعت بالفعل مليار دولار ضمن الدفعة الثانية من القرض الميسّر، واتّجهت إلى طلب قرض تجاري من بكين، لمساعدتها على تخفيف ضغوط دفع مليار دولار أخرى إلى الرياض الشهر المقبل. وفي هذا الإطار، أكّد مسؤول في وزارة المالية أن المصرف المركزي الباكستاني يجري محادثات مع مصارف تجارية صينية، في حين أبلغ مسؤول في وزارة الخارجية، "رويترز"، أن الصين "هبّت لنجدتنا". وعلى رغم فائض يبلغ 1.2 مليار دولار في ميزان المعاملات الجارية وتحويلات غير مسبوقة من الخارج بلغت 11.7 مليار دولار في الأشهر الخمسة الأخيرة ساعدت في دعم الاقتصاد الباكستاني، فإن مراقبين يرون أن ردّ الأموال السعودية ينطوي على انتكاسة يحتمل أن تواجه باكستان على إثرها أزمة في ميزان المدفوعات بعد الانتهاء من الدفعة السعودية التالية، ولا سيما وأن احتياطياتها الأجنبية لا تزال عند 13.3 مليار دولار.
لم تألُ الرياض جهداً لجرّ إسلام آباد نحو قاطرة التطبيع


بالعودة إلى التطبيع، لم تألُ الرياض جهداً لجرّ إسلام آباد نحو قاطرة التطبيع. وهو ما لفتت إليه مصادر دبلوماسية وعسكرية باكستانية تحدّثت، أخيراً، إلى صحيفة "هآرتس" العبرية، مؤكّدةً أن السعودية كثّفت ضغوطها، في الأشهر الأخيرة، على باكستان من أجل دفعها في هذا الاتجاه، ولكنها توقّعت أن يتوّلى الجيش الباكستاني هذه المهمّة طمعاً في صفقات دفاعية تسهّلها إسرائيل. ويريد وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، بحسب الصحيفة، أن تمضي حليفته في هذا الطريق، قبل أن يتخّذ أيّ خطوة رسمية تجاه تل أبيب. ولفتت "هآرتس" إلى أن "باكستان ثاني أكبر دولة ذات غالبية مسلمة من حيث عدد السكان، وهي الدولة الإسلامية الوحيدة المسلّحة نووياً، وتطبيعها سيوفّر سبقاً جيّداً للسعودية"، معتبرةً أن الرياض تمتلك "بطاقة قوية لإسلام آباد، تتمثّل في توفير قرض بقيمة ملياري دولار لإنقاذ البلاد". كذلك، أشارت إلى أن الجيش الباكستاني، وليس رئيس الوزراء، هو الذي يدير فعلياً الدبلوماسية الباكستانية، مُتوقّعةً أن يلجأ الأوّل إلى إضفاء طابع رسمي على العلاقات مع تل أبيب، على افتراض أن ذلك سيساعده في موازنة الصفقات الدفاعية الواسعة بين الهند وإسرائيل.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا