القاهرة | على رغم أن تأثير إقرار البرلمان الأوروبي مشروع قانون يدين أوضاع حقوق الإنسان داخل مصر، على العلاقات المصرية - الأوروبية، لا يبدو واضحاً إلى الآن، إلا أن الاستنفار المصري في التعامل مع المشروع عَكَس حالة الاضطراب لدى نظام عبد الفتاح السيسي، الذي أجبر رجاله في جميع الجهات على إصدار بيانات تُندّد بالخطوة الأوروبية، بما في ذلك «اتحاد العمال» الذي لا ناقة له ولا جمل في ما حدث. وتَضمّن مشروع القانون الأوروبي، المقَرّ بصيغته الأولى الأسبوع الماضي على خلفية التحرّك الإيطالي في قضية مقتل الباحث جوليو ريجيني ورفض القاهرة تسليم المتّهمين بقتله من ضبّاط الشرطة، دعواتٍ إلى محاسبة المتورّطين في انتهاكات حقوق الإنسان، ومطالبات بتحقيق أممي في الجرائم المرتكبة، فضلاً عن الدعوة إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن الموقوفين على خلفية مواقفهم الحقوقية، ومنهم مئات المحبوسين احتياطياً. ولعلّ أكثر ما أثار حفيظة القاهرة في المشروع، الذي مُرّر بغالبية كبيرة من دون أن تنجح المحاولات المصرية في إيقافه خلال اللحظات الأخيرة، هو ترافقه مع مطالبة بعض الأصوات بفرض حظر أوروبي شامل على تصدير السلاح إلى مصر إلى حين تحسّن الظروف، فضلاً عمّا يمكن أن يُولّده من تأثيرات سلبية في الاستثمارات الأوروبية داخل البلد.
إزاء ذلك، لم يكن لدى مصر لمواجهة التحرّك الأوروبي سوى بيانات الشجب والإدانة الصادرة بالعربية، والتي لم تشمل «الهيئة العامّة للاستعلامات» المسؤولة عن التعامل مع الإعلام الخارجي والتابعة لرئاسة الجمهورية مباشرة، فيما البيان الوحيد المُوقّع بالإنكليزية صدر عن «تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين»، الكيان الذي أسّسه مدير مكتب رئيس المخابرات، الضابط أحمد شعبان. على أن مصادر مواكبة تتحدّث عن مقترحات أخرى للتعامل مع الأزمة الجديدة، التي ولّدتها ردود فعل أوروبية «مبالغ بها» وفق ما تراها مصر، بعد أن كانت الأخيرة تراهن على إغلاق قضية ريجيني بالتوافق مع روما، وهو ما لم تصبّ في مصلحته موجة ساخطة في الداخل الإيطالي، حملت روما على تصعيد الموقف أوروبياً. ومن بين تلك المقترحات الآتية من برلمانيين سابقين ووزارة الخارجية، ترتيب لقاء سريع مع كتل الأحزاب المُمثَّلة في البرلمان الأوروبي، والتي صاغت مشروع القرار، من أجل مناقشتهم وشرح الأوضاع لهم والتشديد لهم على أهمية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي يُعدّ «الشريك التجاري الأول لمصر»، على أن تكون هناك ردود على جميع ما تثيره المنظّمات الحقوقية سواء التي يديرها مصريون في الخارج أو المنظّمات الدولية التي تُوثّق الانتهاكات في مصر. أمّا «الخارجية» فاقترحت ترتيب لقاء مع سفراء دول الاتحاد وأعضاء «المفوضية الأوروبية» الموجودين في مصر بمشاركة نواب وحقوقيين مصريين ضمن جلسة تُطرح فيها جميع القضايا، مع الأخذ في الاعتبار توضيح التسويات في مسألة «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» والإفراج عن أعضائها عقب ترتيب وضع المبادرة قانونياً، وأيضاً الحديث عن «حرية العمل الحقوقي وفق ما يُنظّمه القانون والدستور»، و«ترجمة النصوص القانونية والدستورية، مع الإقرار بأن بعض التعديلات الأخيرة بحاجة إلى تعديل في البرلمان المقبل».
حتى الآن لا تبدو القاهرة قادرة على مواجهة البرلمان الأوروبي الذي سبّب مشروع قانونه وطريقة الموافقة على مسوّدته وتمريره حالة من الصدمة لدى النظام. على أن الأخير لا يزال يراهن على أمرين رئيسين: الأول أن يكون المشروع «زوبعة في فنجان» سرعان ما سيطويها الوقت، والثاني الاحتياج الأوروبي إلى الدور المصري سواء في وقف الهجرة غير الشرعية أو مواجهة الإرهاب في سيناء وليبيا، حتى لو كانت للقرار تبعاته على قطاعات أخرى غير سياسية.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا