بالنسبة إلى مصدّري النفط في الشرق الأوسط، شكّل «كوفيد - 10» ضربة ثلاثية. تداعت أسعار الوقود، ما أدّى إلى تفاقُم أوجاع الإغلاق العالمي وتفشّي الفيروس القاتل. وبحسب «صندوق النقد الدولي»، فإن هذه الأزمة هي الأسوأ التي يواجهها الشرق الأوسط في العصر الحديث. ولكن بالنسبة إلى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، فقد كان الوباء كارثياً.في نيسان/ أبريل 2016، كشف محمد بن سلمان النقاب عمّا سماه «رؤية 2030»، وهي استراتيجية لتنويع الاقتصاد السعودي على مدى الأعوام الـ14 التالية. أعلن ابن سلمان أنه، بحلول عام 2020، ستكون المملكة «قادرة على العيش بدون نفط». وضعت الحكومة السعودية الخطّة بمزيد من التفصيل على مدى الأشهر التالية، مشيرة إلى عام 2020 على أنه العام الذي ستلغي فيه المملكة عجز الموازنة، وتزيد الإيرادات غير النفطية إلى 160 مليار دولار، وتكون مستعدّة لاستضافة 18.75 مليون مسلم في موسم الحجّ والعمرة في مكّة المكرمة.
قلَب الوباء تلك الخطط رأساً على عقب.

وضع الأزمة
القائد الطموح لا يترك أزمة تذهب سدًى، وابن سلمان ليس شيئاً إن لم يكن طموحاً. خلال الأيام الأولى للوباء، رفع ضريبة القيمة المضافة في المملكة من خمسة في المئة إلى 15 في المئة، وخصّصت الحكومة مليار دولار كمدفوعات تحفيزية للشركات السعودية التي تعاني من التباطؤ الاقتصادي. وجّه ابن سلمان صندوق ثروته السيادية لشراء صفقات في أسواق الأسهم العالمية. حتى إنه تنافس مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في شأن أسعار النفط: عندما رفضت روسيا احترام حدود الإنتاج المحدّدة في عام 2017، فتحت السعودية الصنبور، ما أدى إلى انخفاض سعر النفط، لفترة وجيزة للغاية، وصولاً إلى السلبي. حتى مع عودة أسعار النفط إلى حوالى 40 دولاراً للبرميل، تُرك السعوديون مع نصف الإيرادات التي يحتاجون إليها لموازنة دفاتر الحكومة.
لا يزال بإمكان محمد بن سلمان تخفيض موازنته، لكن القيام بذلك سيعني التخلّي عن اثنين من مشاريعه الشخصية، أو تقليصهما بشكل كبير. عندما بدأ التدخل العسكري السعودي في اليمن عام 2015، كان ابن سلمان، وزير الدفاع آنذاك (كما هو الآن)، وجه العملية. لكن سرعان ما أصبح واضحاً أن القتال في اليمن قد يستمرّ لسنوات، وليس لأشهر، وأن ولي العهد سيسمح للآخرين بأخذ زمام المبادرة. الآن، يستمرّ القتال مع عدم وجود فرصة معقولة للسعوديين لهزيمة الحوثيين، حلفاء إيران الذين يسيطرون على العاصمة ومعظم الجزء الشمالي من البلاد. يُعدّ الإنفاق العسكري للمملكة، مدفوعاً - جزئياً على الأقلّ - بالصراع اليمني، من بين أعلى المعدّلات في العالم، بالنسبة إلى الفرد: يقدِّر «معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام» أن تسعة في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي السعودي يذهب إلى الجيش.
قد تكون الهزيمة في اليمن بمثابة حبّة مريرة يجب على ابن سلمان أن يبتلعها، لكنها أقلّ خطورة على المدى الطويل من الأزمة المالية التي يخاطر بها في الداخل.
اليمن ليس المشروع الوحيد الذي قد يضطر ابن سلمان للتخلّي عنه. كجزء من رؤية 2030، خطّط لبناء مدينة روبوتية مستقبلية في شمال غرب البلاد، قليل السكان. لكن تُقدّر تكلفة المشروع بمئات المليارات، مع ضمانٍ ضئيل بالحصول على عائدات، وبوجود العديد من الوظائف التي تذهب إلى الروبوتات بدلاً من البشر. المملكة جرّبت، لأوّل مرة، بناء مدنٍ صناعية جديدة قائمة على البتروكيميائيات في السبعينيات. كان هذا التوسّع الحضري ناجحاً بشكل كبير. ولكن لم تتمكّن المحاولات اللاحقة من تكرار هذا النجاح، وستكون «نيوم» المحاولة الأكثر خطورة على الإطلاق (...).

التضحية الشخصية
أدّى انهيار النفط الناتج من فيروس «كوفيد - 19» إلى انتكاسة خطط «رؤية 2030»، لكنه أتاح فرصة أيضاً. غادر أكثر من مليون عامل أجنبي البلاد في السنوات الأخيرة، ومن المتوقّع أن يغادر المزيد نتيجة للأزمة الحالية. كان البعض غير قادرٍ على تحمّل الضرائب والرسوم الأعلى التي جاءت مع رؤية 2030 (...). ساهم فقدان العديد من المستهلكين والعمّال في الركود الاقتصادي السعودي، على المدى القصير. ولكن يمكن للحكومة أن تستغلّ غيابهم من أجل زيادة فرص العمل للسعوديين، على المدى الطويل.
كان يمكن أن يَسهُل تقليص الخسائر السعودية في اليمن، وبفعل مشاريع «رؤية 2030» الكبيرة مثل «نيوم»، في ظلّ نظام صنع القرار السعودي القديم: ستتشكّل لجنة من كبار الأمراء، الذين مثّلوا صانعي القرار النهائيين في العقود التي سبقت صعود الملك سلمان إلى السلطة في عام 2015؛ وهذه اللجنة ستُقنع الأمير القوي بتقليص أجندته الشخصية. لكن في ظلّ وجود القرار، الآن، في يد شخصين فقط هما ابن سلمان ووالده الملك، لم تعد القيود السابقة سارية (...).
يجب على ولي العهد النظر في تضحية أخيرة وشخصية للغاية، ضمن قائمة مهام «كوفيد - 19» الخاصّة به. إن تحقيق ذلك لن يمنحه أيّ فائدة اقتصادية فورية، ولكنه قد يساعده في الحفاظ على أهمّ علاقة استراتيجية لبلاده، أي تلك التي تربطها بالولايات المتحدة.
أقام ابن سلمان علاقات شخصية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر. وكانت هناك ثمار لهذا التقارب بالنسبة إلى ولي العهد، حيث دعمت إدارة ترامب مناوراته داخل العائلة المالكة لطرد سلفه، الأمير محمد بن نايف، الذي كان المفضّل لدى الإدارات الأميركية السابقة؛ وقام ترامب لاحقاً بحماية محمد بن سلمان من عواقب مقتل الصحافي جمال خاشقجي داخل الولايات المتحدة (...).
لم تحظَ السعودية بشعبية خاصة بين الجمهور الأميركي، لكنّ الرؤساء الديمقراطيين والجمهوريين عملوا على الحفاظ على العلاقة على مستوى النخبة. قبول هذه النخبة من الحزبين معرّض للخطر الآن. يحتاج السعوديون إلى إظهار ابتعادهم عن إدارة ترامب، بطريقة فعّالة، إذا كانوا يريدون أن يكونوا قادرين على بناء جسور مع الإدارة الديمقراطية، في عام 2021.
(فورين أفيرز - أف. غريغوري غوز III)

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا