السليمانية | من النواحي المحيطة بها، امتدّت شرارة الغضب إلى مدينة السليمانية (مركز محافظة السليمانية)، حيث كانت البداية مع ولوج عشرات المواطنين والموظفين بقيادة المعلّمين، شارع مولوي في «سوق السليمانية الكبير»، يوم الخميس 3 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، وهم يردّدون شعارات تطالب حكومة «إقليم كردستان»، برئاسة مسرور مسعود بارزاني، بإصلاح النظام السياسي والاقتصادي. سريعاً، التفّ حولهم المئات، الذين اشتبكوا مع القوات الأمنية بعد قيام الأخيرة باعتقال 7، بينهم 5 معلّمين، ومحاولتها تفريق المحتجّين بقنابل الغاز المسيّلة للدموع، وضربهم بالهراوات.في آخر اليوم الأوّل للاحتجاجات، أمدّ حزبان سياسيان (هما «حزب الجيل الجديد» المعارض، و«حركة التغيير» المعارضة سابقاً) المحتجّين بدعم معنوي من خلال بيانات أيّدت حقّهم في التظاهر. دان الحزبان استخدام العنف ضدّ المحتجّين، ودعَوَا حكومة بارزاني إلى الإسراع في إجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية، والاتفاق مع الحكومة الاتحادية في العاصمة بغداد برئاسة مصطفى الكاظمي لتأمين رواتب موظفي القطاع العام. تَطوَّر عنف القوات الأمنية في اليوم الثاني، ما أدّى إلى إصابة 25 محتجّاً نُقِل منهم 15 مصاباً إلى المستشفيات، وفق ما أعلنه مركز الطوارئ في السليمانية. تأجّج، على إثر ذلك، غضب المحتجّين الذين اندفعوا إلى حرق مقرّات الأحزاب في عدد من نواحي محافظة السليمانية، حتى وصل عدد ضحايا الاحتجاج إلى 6 قتلى، بينهم طفلان وأكثر من 100 جريح.
يوضح مصدر سياسي معارض، في حديثه إلى «الأخبار»، أن دوافع خروج عشرات آلاف المواطنين في محافظة السليمانية، معيشية، لافتاً إلى أنهم طالبوا بدفع رواتبهم بعد أن تمنّعت حكومة أربيل عن دفعها لهم منذ 7 أشهر، وسط خلافات بين عاصمة «الإقليم» وعاصمة المركز حول الموازنة العامة وقانون الاقتراض الأخير؛ فـ«حكومة الإقليم غير مستعدّة لإرسال وارداتها المالية من بيعها للنفط وجبايات المنافذ الحدودية». يضيف المصدر أن التظاهرات بدأت بشكلٍ سلمي، مستدركاً بأن القوات الأمنية التابعة لـ«الاتحاد الوطني الكردستاني» (أبناء الراحل جلال طالباني ورفاقه) فضّلت المواجهة، وبشكل عنيف جدّاً، ما أسفر عن سقوط 8 ضحايا، الأمر الذي دفع المحتجّين إلى إحراق المقارّ الحزبية («الحزب الديموقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، و«الاتحاد الوطني»، و«حركة التغيير»، وعدد من الأحزاب الإسلامية، وحتى «الحزب الشيوعي الكردستاني»).
يبدو لافتاً ومثيراً للاستغراب الصمت العالمي حيال ما يجري في «كردستان»


من جهته، يؤكد مصدر مواكب للحراك أن التحرّك الاحتجاجي آيلٌ إلى التصعيد، مدفوعاً بالسخط على تخلّف حكومة «الإقليم» عن تنفيذ قانون الإصلاح، والذي تمّت المصادقة عليه في الـ4 من شباط/ فبراير الماضي، وشُرِّع بهدف إيقاف الكسب غير المشروع من الموازنة العامة، فضلاً عن تقليل النفقات المخصّصة للرواتب وإنهاء «ازدواج الدخل». إلا أنه في الآونة الأخيرة، وتحديداً بعد المصادقة على القانون المذكور، ازدادت مظاهر الفساد المالي والإداري على نطاق أوسع، إلى درجة أنها أضرّت ببعض الأسس التي يمكن أن يقوم عليها أيّ اتفاق بين بغداد وأربيل؛ فالمنافذ الحدودية التي تطالب الحكومة الاتحادية بنصف وارداتها باتت خاوية من الحركة التجارية، نظراً إلى توجّه بعض كبار المتنفّذين في «الإقليم» إلى «شرعنة التهريب»، وافتتاح مكاتب «شبه رسمية» تُهرّب البضائع للتجار، وتُجنّبهم الضرائب الجمركية.
هذا المشهد المقرون بصمت عالمي حول ما يجري في السليمانية، يدفع بالمحتجّين إلى إعلاء صوتهم وتصعيد مطالبهم، التي تبدأ بتسلّم رواتبهم كاملة وانتظام موعدها فقط، في خطوة أولى تؤسِّس للقيام بإصلاحات جدّية للنظام السياسي الداخلي في «الإقليم»، بما يضمن إنهاء احتكار الثنائي، «الحزب الديموقراطي» و«الاتحاد الوطني»، للسلطة، وانتهاج سياسات حكومية لتنمية اقتصادية حقيقية ومستدامة. مع ذلك، لا يُتوقّع أن يتمخّض عن الاحتجاج تنظيم سياسي، خصوصاً أنه ليس لتظاهرات السليمانية التأثير الكبير على سلطة «الإقليم»، لكن مؤشرات استطلاعات الرأي تُرجّح حدوث اصطفاف أوسع خلف حزب «الجيل الجديد» المعارض، ولا سيما في ظلّ سياسة «فتح الأبواب أمام الجميع» التي يتّبعها الحزب للمشاركة في الانتخابات التشريعية العراقية المبكرة (حزيران/ يونيو 2021)، ومحاولته استقطاب أكبر عدد ممكن من الفاعلين سياسياً. محاولات حملت ثنائي الحكم في «الإقليم» على التحرّك سريعاً باتجاه بغداد، حيث حضّ «الطالبانيّون» حكومة الكاظمي على «ضرورة تخليصنا من الفاسدين، مع تعهّدات بدفع عائدات النفط والمنافذ». وهو ما يعزوه مصدر سياسي عراقي إلى «ضغط الشارع الكردي المطالب بسيطرة بغداد على النفط والمنافذ، إضافة إلى أن رفع علم المركز (العلم العراقي) شكّل رسالة قوية دفعت بالحكومة الاتحادية إلى اتخاذ موقف صلب إزاء المماطلات الكردية في تنفيذ تفاهمات سابقة»، مرجّحاً أن يدفع ذلك الضغط ساسة أربيل والسليمانية إلى توقيع تفاهم نهائي.
واجتمع وفد حكومة «الإقليم» (برئاسة نائب رئيس الوزراء قوباد طالباني)، مساء أمس، في العاصمة بغداد مع وزيرَي المالية والنفط في الحكومة الاتحادية، مؤكّداً موقف حكومته الملتزم بالتزاماتها التي نصّ عليها قانون تمويل العجز المالي لقاء تأمين بغداد المستحقات المالية لـ«الإقليم». بدوره، دعا رئيس حكومة «الإقليم» مسرور بارزاني، الولايات المتحدة الأميركية إلى لعب دور المراقب لحلّ المشاكل بين أربيل وبغداد، وذلك بُعيد استقباله مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا