القاهرة | بعد تسع سنوات من التحقيقات وقرارات السجن وسجالات الإفراج عن الأجانب وتهريبهم ليلاً بقرارات قضائية مثيرة للسخرية في عام 2012، مقابل حبس عشرات الناشطين المصريين ومنعهم من السفر على خلفية القضية نفسها، قرّر القاضي المنتدَب من وزارة العدل للتحقيق في التمويل الأجنبي الذي تحصل عليه منظّمات المجتمع المدني بعد «ثورة يناير»، أنه لا وجه لإقامة الدعوى تجاه عشرين من تلك المنظّمات. وكانت حكومة المهندس عصام شرف، التي شُكّلت بعد إطاحة نظام محمد حسني مبارك، كلّفت وزير العدل آنذاك تأليف لجنة لتحديد كون المنظّمات المعنيّة مُسجّلة قانوناً وفق القانون 84 الصادر لتنظيم عملها أو لا، لينتدب الوزير بدوره قاضيَين للتحقيق في القضية التي أودعت فيها تقارير من جهازَي «الأمن الوطني» و«المخابرات».ووُجّهت إلى العاملين في غالبية تلك المنظّمات اتّهامات وُصفت بـ"الفضفاضة"، على رغم أن تمويلها مرّ رسمياً عن طريق «البنك المركزي»، فضلاً عن المراقبة الحكومية لنشاطاتها خلال السنوات التي سبقت سقوط مبارك، علماً بأن الأخير سمح بعملها بتسهيلات غير معلنة. وعُرفت القضية بـ"المنظّمات الأجنبية"، وشملت موظفين مصريين وأجانب، وأثارت جدلاً كبيراً بعدما حُكم بالسجن على المتّهمين الأجانب بالسجن قبل إخلاء سبيلهم والسماح لهم بالسفر في جلسة ليلية، ليغادروا البلاد بطائرة عسكرية إلى الولايات المتحدة. وبينما صدرت أحكام غيابية بحق هؤلاء، حُكم بالسجن عاماً على المصريين المتّهمين مع وقف التنفيذ، إضافة إلى إغلاق خمس منظّمات أهمّها «فريدم هاوس» و«المركز الدولي للصحافة».
توقيت إغلاق القضية ليس مصادفة بل مرتبط بتبييض وجه النظام حقوقياً


ومع وصول عبد الفتاح السيسي إلى الرئاسة، عمد إلى تغليظ عقوبة النشاطات غير المرخصة، لتُصبح بدلاً من الحبس ثلاثة أشهر أو غرامة مالية لا تزيد على ثلاثمئة جنيه (20 دولاراً أميركياً)، السجن المؤبّد، مع وضع صياغات فضفاضة في شأن تلقي أموال من الخارج بقصد «ارتكاب عمل ضارّ بمصلحة قومية أو المساس باستقلال البلاد»، تُوسّع بدورها الأهواء الشخصية للمُحقّقين. وبقيت تلك الصياغات، على مدار السنوات الماضية، سلاح ضغط من النظام على عدد من الحقوقيين، إلى درجة أن وزير العدل الأسبق، أحمد الزند، شدّد على تحريك القضية عاجلاً أو آجلاً، علماً بأن عشرات الحقوقيين سُجنوا أو مُنعوا من السفر خلال السنوات الخمس الماضية من دون أدلة واضحة ضدّهم، وأبرزهم جمال عيد وإسراء عبد الفتاح، والأخيرة من مُحرِّكي إضراب «6 أبريل» (2008) المسجونة بقضية أخرى.
وعلى رغم الضغوط الحقوقية الواسعة لتسريع وتيرة التحقيقات، خاصة مع الضرر البالغ الذي طاول الكثير من المنظّمات بسبب تجميد أموالها واضطرار بعضها إلى العمل من الخارج، على غرار «مركز القاهرة للدراسات»، لم ينجح الحقوقيون على مدار سنوات في الحصول على إجابات عن وضعهم القانوني، فيما بقي كثيرون خائفين من توقيفهم فجأة على ذمّة القضية ضمن الإجراءات الاستثنائية المُتّخذة فيها. لكن اليوم، يغلق قاضي التحقيق النصف الآخر من القضية، بحكم أنه لا وجه لإقامة الدعوى بحق عشرين منظمة، ليبقى عدد من المنظّمات تحت قبضة القضاء. ولا يبدو القرار المُتّخذ، في توقيته، مصادفة، بل يأتي تساوقاً مع زيارة السيسي لباريس، في محاولة لتصدير إصلاحات شكلية تضمن عمل منظّمات المجتمع المدني تحت قبضة الحكومة، تحسّباً للضغوط المرتقبة من الإدارة الأميركية الجديدة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا