مقالات مرتبطة
يجد المتأمّل في الإحصاءات الأممية أن عدّاد الضحايا لا يعمل بشكل نسقي
هكذا، بقيت الحرب في أعوامها الأولى في أسفل سلّم أولويات ما يُسمّى «المجتمع الدولي»، وأيضاً بالنسبة إلى دول الإقليم، سواء المنخرطة في العدوان أو تلك التي تقف على الحياد، إلى درجة تسمية الصراع بالحرب المنسيّة. وقد ثَبت، في السنوات الأربع الأولى، وجود سياسة ممنهجة ومتعمّدة لإخفاء الأعداد الحقيقية للضحايا، في محاولة مفضوحة لكيّ وعي الشعب اليمني، وكسر شوكته، وكبح عنفوانه، والقضاء على إرادته، والهدف في نهاية المطاف فصله عن قيادته السياسية والثورية بغية إعادته إلى الهيمنة السابقة. ومن هنا، تتّضح بشاعة تلك الأنظمة (دول العدوان وشركاؤها الدوليون) التي حوّلت الضحايا إلى أرقام في لعبة التوظيف السياسي، سواء في عملية الإخفاء المتعمّد للأرقام الحقيقية، أو القفز العمودي فيها، وذلك على خلاف بروتوكولات مهنة الإعلام ومراكز الإحصاءات الحرفية، والتي تقتضي التدرّج في تطوّر الوقائع بما يعكس حقائق الميدان كما هي (زمنياً ومكانياً).
ومع إطالة أمد الحرب، يجد المتأمّل في الإحصاءات الأممية أن عدّاد الضحايا لا يعمل بشكل نسقي، بمعنى أنه لا يصعد بشكل تدريجي مع مرور الوقت، بل يقفز فجأة بشكل حادّ. وفي هذا الإطار، أحصى «مشروع بيانات مواقع النزاع المسلّح وأحداثها» (ACLED) قتل أكثر من 100 ألف شخص نتيجة الحرب. ولاحظ المشروع، الذي جمع معلوماته من مصادر متنوّعة، بما فيها الأمم المتحدة، أن عدد القتلى في السنوات الأربع الأولى كان أعلى بكثير من معظم التقديرات السابقة، مُحمّلاً السعودية وحلفاءها المسؤولية عن الغالبية العظمى من الضحايا. غير أن ما لم يصرّح به المشروع، ومعه بقية الجهات الدولية والأهلية، حقيقة أن القفز بالأرقام، سواء كانت واقعية أو مبالغاً بها، إنما جاء بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، والذي شكّل قضية رأي عام عالمي، سُلّط الضوء من خلالها على جرائم وليّ عهد السعودية، محمد بن سلمان، في اليمن. وتلك هي المرّة الأولى التي تَحوّلت فيها الإحصاءات بما يخدم الشعب اليمني. إذ أدّت الحماية التي وَفّرها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لابن سلمان، في قضية خاشجقي، إلى دخول جرائم حرب اليمن ضمن الملفّات السوداء لوليّ العهد السعودي، ولا سيما بعدما نشرت صحف ووسائل إعلام أميركية صور أطفال اليمن وهم يتضوّرون جوعاً. وعلى إثر ذلك، استحالت «الأضرار» الناتجة من الحرب مادة توظيف بين ترامب وخصومه من الديموقراطيين وبعض الجمهوريين، استُخدم في إطارها العديد من التقارير والإحصاءات التي صدرت ــــ للمفارقة ــــ بعد اندلاع هذا النزاع الداخلي.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا