من دون التوصّل إلى حلول جذريّة، اختُتمت، أمس، اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة «5+5»، والتي تضمّ ممثّلين عن حكومة «الوفاق الوطني» وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بعدما انعقدت للمرّة الأولى في سرت. وجرى التوافق على استكمال اللقاءات في أقرب وقت ممكن، وخاصة في ظلّ وجود العديد من النقاط العالقة التي لم تحسم بعد، بحسب ما ورد في البيان الختامي الصادر عن الاجتماعات التي ترعاها الأمم المتحدة.وجرى التوافق، بشكل مبدئي، على إخراج جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب من المدن والقرى، وتجميعهم في طرابلس وبنغازي تمهيداً لمغادرتهم الأراضي الليبية في مرحلة تالية، مع البدء الفوري في إخلاء الطريق الساحلي من الآليات العسكرية الثقيلة، وبما يسمح بمرور المواطنين وتنقّلهم. كما اتّفق الوفدان على البدء في عملية نزع الألغام والمخلّفات الحربية بالتعاون مع الأمم المتحدة، وتحديد مواقع بعيدة للآليات العسكرية، وإسناد مهمّة تأمين الطرق السريعة للجنة الترتيبات الأمنية بعد مغادرة جميع القوات، على أن يتبلور إطار التأمين في الاجتماعات المقبلة التي يُتوقّع أن تُستأنف الأسبوع المقبل في أقصى تقدير، بعد رجوع المشاركين في الاجتماعات إلى قياداتهم ومناقشتهم إياها في تفاصيل ما جرى التوصل إليه.
وتسود حالة من الريبة المتبادلة بين قوات «الوفاق» التي تخشى من أن يكون الانسحاب مناورة من قوات حفتر للانقضاض العسكري على العاصمة، فيما تخشى الأخيرة من انقضاض الأولى على منطقة سرت ــــ الجفرة إذا ما تمّ سحب جميع القوات والآليات العسكرية الثقيلة. لكن الأمم المتحدة، باعتبارها راعية للاتفاق، تسعى إلى تثبيت الثقة بين الفريقين، وتقديم الضمانات لكلّ منهما. وعلى رغم ضآلة فرص مخالفة الاتفاقات الأممية لأسباب عدّة، في مقدّمها إنهاك طرفَي النزاع ووجود رغبة في التهدئة، إلا أن الأزمة الحقيقية التي تواجه المفاوضات العسكرية هي ترقب ما يجري في تونس خلال اجتماعات «الملتقى السياسي»، والتي تسير بالتوازي وسط رغبة لدى جميع الأطراف في تحقيق توازنات بين ما يصدر عن الاجتماعين، بحيث لا يتمّ تقديم مزيد من التنازلات من دون نتائج إيجابية متوقعة.
في تونس، كانت جلسات الحوار منقسمة في شأن كثير من النقاط العالقة، حتى مع ترشيح رئيس البرلمان المنعقد في طبرق، عقيلة صالح، ليكون على رأس الحكومة الجديدة، أو فتحي باشاغا أو حتى أحمد معيتيق، لكن الأزمة الكبرى تكمن في بعض التفاصيل التي ترتبط بصلاحيات «المجلس الرئاسي» الذي يفترض أن يتولّى الحكم في الفترة الانتقالية لمدّة 18 شهراً، ولا سيما في شأن الاتفاقيات الموقّعة بين تركيا وحكومة فائز السراج. تسعى «الوفاق» إلى حفظ هذه الاتفاقيات من خلال رفض منح «المجلس الرئاسي» الحق في النظر فيها، وهو ما يعني ضمناً استمرار التعاون العسكري بين الحكومة الجديدة وتركيا، الأمر الذي ترفضه قوات حفتر، وتعتبره عائقاً أمام توحيد المؤسسات الأمنية في ليبيا.
وعلى الرغم من التوافق الذي يحظى به عدد كبير من شخصيات الملتقى من وجهة نظر مختلف أطراف الصراع، إلا أن ثمة بنوداً أخرى عالقة مرتبطة بالسلطة التي ستكون في يد الحكومة الانتقالية، ومدى قدرتها على مواجهة أيّ اعتراضات متوقعة في الشارع، في وقت يتابع فيه السراج الاجتماعات على مدار الساعة، مع رغبته في الابتعاد عن المشهد، تمهيداً لفرصة يراها أفضل في الانتخابات التي ستجرى في المرحلة الانتقالية. ويتوافق البند الذي تَضمّنته مذكّرة صلاحيات «المجلس الرئاسي» الجديد مع طلب الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إبقاء الاتفاقيات التي وَقّعها مع السراج قائمة مع أيّ حكومة مقبلة. والجدير ذكره، هنا، أن هذه الاتفاقيات تَضمّنت ترسيم الحدود البحرية بما يثير الجدل مع دول المتوسط، بالإضافة إلى تعاون عسكري تعترض عليه مصر ودول الخليج. ويندرج هذا البند ضمن مجموعة بنود أخرى ترى «الوفاق» أنها تُقدّم تنازلات فيها، علماً بأن الأيام المقبلة يفترض أن تشهد حسماً للبنود المثيرة للجدل بشكل عام، بناءً على وساطة أممية ستتدخل لتقريب وجهات النظر، وضمان انطلاق المرحلة الانتقالية الجديدة في موعد أقصاه كانون الثاني/ يناير 2021.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا