مفاوضات إنهاء الأزمة الليبية لا تزال صعبة. صحيح أن العُقد تجري حلحلتها تدريجياً، فيما كلّ الأطراف المعنيّة راغبة في التوافق على خريطة طريق جديدة. لكن هذه المفاوضات تواجه إشكالات معقّدة، جرّاء مطالب كثيرة أو اعتراضات على أشخاص محدّدين، من بينهم مشاركون في جلسات الحوار. في قمرت في تونس، تتواصل فعاليات «ملتقى الحوار السياسي» التي تواجه اتهامات بالتحيّز لمصلحة جماعة «الإخوان المسلمون» وأنصارها، لكن في الوقت نفسه ثمّة تقدّم جيد، كما تنقل مصادر متابعة، في المفاوضات الجارية بوسائل التواصل الافتراضية منذ نهاية الشهر الماضي، وبالاجتماعات المباشرة منذ الاثنين الفائت لبناء مرحلة انتقالية تنهي الأزمة بحلول منتصف 2021.الرؤية الحالية تتضمّن اختيار حكومة جديدة تُجري الانتخابات خلال 18 شهراً، يوضع خلالها الدستور مع قابلية للتمديد ستة أشهر إضافية، ما يعني أن الانتخابات الليبية لن تكون قبل النصف الثاني من 2022، وهو موعد بعيد مقارنة بما أعلنه رئيس حكومة «الوفاق»، فائز السراج، في إشارة إلى آذار/ مارس المقبل. أيضاً، تتضمّن مسوّدة الحوار إتاحة سبعة أشهر من أجل الاستقرار على القاعدة الدستورية التي ستُجرى على أساسها الانتخابات لإنهاء المرحلة التمهيدية. وفي حال عدم نجاح القوى في إعدادها، سيعمل على ذلك الملتقى الذي ترعاه الأمم المتحدة، مع الأخذ في الحسبان توفير العودة الآمنة للنازحين والمبعَدين خلال الشهور المقبلة.
في المقابل، ثمّة أمور لم يتمّ التوافق عليها، بينها القاعدة الدستورية للانتخابات مع غياب دستور جديد، ما يعني أن السلطة المنتخَبة، عندما تباشر عملها، سيكون عليها صياغة دستور، وهو ما يجعل حتى تسليم السلطة لحكومة وبرلمان منتخبَين بداية لمرحلة انتقالية أخرى، الأمر الذي يرفضه بعض الأطراف، مُفضّلين إقرار دستور أولاً، ثمّ إجراء انتخابات على أساسه. كما واجهت مسوّدة الملتقى انتقادات في شأن النص على كون «الإسلام المصدر الأساسي للتشريع»، النقطة التي تطالب بعض القبائل بتعديلها والإقرار بالعرف كأحد مصادر التشريع، فيما لم تُحسم أمور عالقة؛ بينها آلية اختيار الحكومة الجديدة.
تكشف مصادر مصرية أن السراج زار القاهرة سرّاً لساعات قليلة


أمّا مدينة سرت، فتستضيف منذ أمس، على مدار ثلاثة أيام، اجتماعات اللجنة العسكرية «5+5» التي تضمّ ممثلين عن «الوفاق» وقوات خليفة حفتر. وقد عُقد الاجتماع لمناقشة آليات وقف النار على الأرض، وسط تفاؤل بحلّ كثير من النقاط العالقة والوصول إلى توحيد المؤسسات الأمنية، إضافة إلى التفاهم على آلية تضمن منع الاشتباكات مجدداً. على رغم هذا، تتحدّث مصادر في جانب حفتر، وكذلك «الوفاق»، عن «مخططات لإفساد المفاوضات»، عبر عمليات اغتيال تمثل بدورها ضغوطاً على وفدَي التفاوض. وحتى الآن، تسير الأمور جيداً، وسط ترقب لإعلان ما سيتمّ التوصل إليه نهاية الخميس، مع احتمالية تمديد الاجتماعات أو الاتفاق على جولة جديدة لحوار اللجنة.
بالانتقال إلى القاهرة، وصل وفد رفيع من «الوفاق»، والتقى مسؤولين في المخابرات والأجهزة الأمنية لساعات، ويشاع أن بين أعضائه السراج نفسه، في أول زيارة للقاهرة منذ سنوات، وذلك بعد استقبال وزير داخلية حكومته، فتحي باشاغا، الأسبوع الماضي في زيارة رسمية ومعلنة. ومع أن القاهرة تتكتّم حول تفاصيل أيّ زيارات للمسؤولين الليبيين ما لم يجمعهم لقاء مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، فإن زيارة وفد طرابلس الأخير تمثّل كسراً في جمود استمرّ نحو عامين، وسط اتفاق مبدئي على ترتيب زيارة معلَنة للسراج قريباً ضمن اللقاءات التي يجري تنظيمها، وهذا تحوّل جوهري، سواء من مصر التي لم تكن تُرحّب بالرجل وتصفه بالرئيس غير الشرعي للحكومة، أو من الأخير نفسه الذي كان منحازاً إلى المواقف التركية.
تقول مصادر مصرية إن جزءاً أساسياً من تغيّر لهجة القاهرة تجاه «الوفاق» يعود إلى إبراز الأخيرة حسن النية في الأسابيع الأخيرة، فضلاً عن التنازلات التي قُدّمت من أجل العودة للتنسيق، فيما باتت مسألة تقريب وجهات النظر ممكنة، وخاصة مع طرح جميع الحلول والمقترحات، بل إعادة النظر في بعض القرارات والإجراءات التي اتُّخذت أخيراً، تضيف المصادر.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا