(1)

كأردنيّ، اعتذر إلى شعب البحرين الشقيق؛ فحتى الآن، لم تفعل الحركة الوطنية الأردنية، شيئاً ذا بال، لوقف إرسال الدرك للمشاركة في قمع الحراك البحريني. صحيفة «مرآة البحرين» الإلكترونية، أزالت الستار عن الغموض الذي اكتنف تلك المشاركة؛ فالدرك الأردنيون لا يحضرون كقوة خارجية، بل كمنتسبين أفراد إلى وزارة الداخلية البحرينية. وقد نشرت «مرآة البحرين»، أسماء 499 منهم في جدول رواتب الوزارة لدى البنك العربي (ربما من أصل 2500 دركي ومدرب وأمني شاركوا في دعم الأمن البحريني، منذ شباط 2011). ستقول الحكومة الأردنية إنه لا علاقة لها بالأمر، وإنها لا تستطيع منع المواطنين من شغل الوظائف المتاحة لهم في دول الخليج؛ لكن من الواضح أن العملية كلها مرتبة بين الحكومتين.

التدخل الرسمي الأردني في البحرين، قديم. وهو أكبر من أن يجري إخفاؤه، خصوصاً في مرحلة ربيع البحرين. وزيرا الإعلام في البلدين، تورّطا باعترافات ذات دلالة؛ الوزيرة البحرينية، سميرة رجب، علقت على وجود قوات درك أردنية في بلادها، بالقول إن «الاتفاقات الأمنية الثنائية تسمح بذلك». ومع أن الوزير الأردني، محمد المومني، حاول نفي الجزئي بتأكيد الكلي، فقال إن «العلاقات الأمنية مع دولة البحرين الشقيقة مستمرة منذ فترة طويلة، في مجال تبادل الخبرات والتدريب».
تتناقل وسائل الاتصال الاجتماعي والمواقع الإلكترونية في الأردن، نص «رسالة إلى الشعب الأردني»، أخوية ورقيقة وعاتبة، نشرها الحراك البحريني: «نحب بلدكم ونقصدها للدراسة والاستشفاء والسياحة، لكننا لا نرسل أبناءنا ليشاركوا في قمع أبنائكم (.) نعرف أن قائمة العاملين في قوى الأمن البحريني من الدرك لا تمثل الشعب الأردني، ولا تمثل حتى أسماء العشائر والعوائل التي تحملها؛ هي أسماء تمثل الدكتاتورية التي تستخدمها وتستغلها وتهين كرامتها من أجل المال». الفعاليات الأردنية المتضامنة مع الحراك البحريني ظلت نادرة ودون المستوى. ويمكننا أن نرد ذلك إلى انشغال التيار المدني بقضية الدفاع عن الدولة السورية، بوصفها القضية الأهم والأقرب، فيما يقف التيار الإخواني والسلفي إلى جانب النظام البحريني، لأسباب طائفية صريحة.
لكن الوطنيين الأردنيين مطالَبون، أكثر من سواهم، بالتضامن مع الحراك البحريني؛ فالمشاركة الأردنية في قمع هذا الحراك، تفرض عليهم واجباً أخلاقياً، قبل الواجب القومي، في الانتصار لشعب شقيق مظلوم.

(2)


وكعربيّ، أعتذر إلى هذا الشعب الصغير المتحضّر المسالم، إنما المتروك للغول السعودي لكي ينهشه، ويُغلق عليه أبواب التقدم السياسي والاجتماعي، ويُلحقه بعباءة نفوذه السوداء. بينما ركزت الدعاية الرجعية على الربط بين الحراك البحريني وإيران، أظهرت المعارضة البحرينية، التزاماً ثابتاً بالانتماء الوطني والعروبي ـ ولذلك، أفضل تسميتها الحركة الوطنية؛ فـ«المعارضة» أصبحت مصطلحاً مشبوهاً ـ ولأسفي، فإن التيار القومي لم يلتفت إلى أهمية ذلك الالتزام الذي يفتّ في عضد المذهبية، وفي استخدامها اللئيم في التشكيك بولاء الشيعة العرب. شيعة البحرين، على ما عانوه من عسف مذهبي، لم يردوا بالمثل، بل ظلوا، كما كانوا دائماً، دينامو وطنياً في حركة التغيير الديموقراطي للبحرين كلها، رافضين، على ما يعانونه من ظلم وضعف التضامن، أن يحولوا قضيتهم إلى راية مذهبية، أو بؤرة توتر إقليمي. النظام البحريني ـ ومن ورائه السعودية ـ هو الذي فعل ذلك.
ثلاث سنوات من الحراك والقمع والشهداء والسجناء، ولم يرفع الثائرون بندقية ولا قنبلة، ولا خرج من بين صفوفهم حاقد انتحاري، ولا هدموا مبنى ولا خربوا مؤسسة ولا قطعوا شجرة؛ بل لم يرفعوا سقف مطالبهم الموزونة، المصاغة بدقة بما يحافظ على كيان البحرين، ويعزز استقلالها، وأمنها الوطني، في سياق خليجي، لم يرتفع صوت للانفلات منه؛ فهو يعبّر عن واقع جيوسياسي لا يريد الوطنيون البحرينيون كسره.
هذا النزوع الوطني العروبي السلمي الواقعي... لم يتأثر بما حصل في ما يسمى «الربيع العربي» من فوران ثوروي زائف، وانهيار المنظومة القيمية الوطنية، والفوضى، والعنف، والاستعداد لتحطيم الأوطان ومنجزاتها، واضطراب الشعارات، والتطرّف، واختلاط المعارضة بالأحقاد المذهبية الخ. وبالمقابل، فإن حراك شعب البحرين لم يتراجع، ولم ينتكس، وبقي مثابراً وراء تحقيق أهدافه المشروعة. البحرين الصغيرة تعطي لكل الشعوب العربية، درساً كبيراً، ما زلنا بعيدين عن إدراك كنهه الرشيد.

(3)


وكيساريّ؛ أعتذر للحركة الوطنية البحرينية عن ضعف التضامن والاهتمام؛ يعود ذلك إلى نزعة يساروية، تتطلب التماثل الإيديولوجي للتضامن السياسيّ، غافلة عن عظمة النضال الديموقراطي المثابر في بلد لا يزيد عدد مواطنيه على مليون إلا قليلاً، وواقع، جغرافياً وأمنياً، في قبضة مملكة آل سعود، بكل إمكاناتها السياسية والمالية والإعلامية وقدرتها على حشد القوى ضد إرادة التغيير.
شعب البحرين ـ في إمكاناته المحدودة، ورشده السياسي، وإصراره على حقوقه في مواجهة قوى جبارة. هو نموذج كان، ولا يزال، على اليسار العربي، أن يقف إلى جانبه بلا حدود، واضعاً القضية البحرينية موضع الدرس والتحليل والتعميم؛ فالقيم التي أنتجها الحراك البحريني من التزام وطني وعقلانية وسلمية وانفتاح وصبر كفاحي، هي نفسها القيم التي يعتزّ بها اليسار.