بانتظار انضمام السعودية، الذي بات قاب قوسين، يكون عقد التطبيع قد اكتمل، بما يرتضيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب «إنجازاً» يخوض على أساسه ما تبقّى من أيام تسبق الانتخابات الرئاسية، في الثالث من تشرين الثاني / نوفمبر. ولكن حتّى في حال تأخّر السعودية في القيام بهذه الخطوة، إلى ما بعد الانتخابات، كما يتوقّع البعض، فقد جاء إعلان السودان عن تطبيع علاقاته مع إسرائيل، في توقيته أمس، ليصبّ في المصلحة الانتخابية لترامب، من دون إغفال ما يحمله من تداعيات على المستوى الإقليمي، ولا سيّما أنّه ينقل ملف التطبيع إلى مسار مختلف، منبئاً بإخراجه من تحت عباءة الدول الخليجية، وتمدّده إلى دول أخرى في المنطقة. تمدّدٌ يوحي بأنّ الإدارة الأميركية تحثّ الخطى على أكثر من اتّجاه، مستغلّة الأوضاع التي تمرّ بها العديد من الدول، كما يعني في الوقت نفسه توسّع محور تل أبيب - الرياض - واشنطن - أبو ظبي. على المستوى السوداني الداخلي، جاء قرار عبد الله حمدوك وعبد الفتاح البرهان ليضرب عرض الحائط بشرعيّتهما، وسط الاعتراضات التي واجهاها، ويواجهانها، إن كان من قبل أطياف مختلفة، أو من أطراف كان من المفترض أن تكون معنيّة، ولكن جرى إبعادها. كذلك، جاءت خطوتهما «اللئيمة» لتُسقط رمزية الخرطوم كعاصمة «اللاءات الثلاث»، المختصِرة لقرار القمة العربية عام 1967، «لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض».بحماسة بالغة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس، تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والسودان، مؤكداً أنّ البلدين أرسيا «السلام» بينهما، في ثالث خطوة مماثلة يقوم بها بلد عربي في غضون شهرين. وبحماسة أكبر، عقّب قائلاً إنّ خمس دول عربية أخرى على الأقل، بينها السعودية، ترغب في إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، مشيداً في الوقت ذاته بـ«انتصار كبير للسلام في العالم».
إعلان ترامب تلقّفته الخرطوم وتل أبيب، مباشرة، فأعلنت الأولى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل و«إنهاء حالة العداء بينهما»، وفق ما جاء في بيان ثلاثي صادر عنها وعن واشنطن وتل أبيب، نقله التلفزيون الرسمي السوداني، ووصف الاتفاق بـ«التاريخي». وجاء في البيان المشترك: «اتفق القادة على بدء العلاقات الاقتصادية والتجارية». كما اتفقوا، وفق البيان، على «أن تجتمع الوفود في الأسابيع المقبلة للتفاوض بشأن اتفاقات التعاون في تلك المجالات وكذلك في مجال تكنولوجيا الزراعة والطيران وقضايا الهجرة وغيرها». وأشار البيان إلى «العزم على العمل معاً لبناء مستقبل أفضل وتعزيز قضية السلام في المنطقة». ورأى أنّ «هذا الاتفاق التاريخي هو شهادة على النهج الجريء والرؤية للقادة الأربعة»، في إشارة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، ورئيس المجلس الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان.
بدوره، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تطبيع العلاقات مع السودان، بأنّه «تحوّل استثنائي». وقال، في بيان كتب بالعبرية: «يا له من تحوّل استثنائي! اليوم تقول الخرطوم نعم للسلام مع إسرائيل، نعم للاعتراف بإسرائيل ونعم للتطبيع مع إسرائيل»، في إشارة مبطّنة ومواجِهة لـ«اللاءات الثلاث» التي صدرت عن قمة الجامعة العربية في الخرطوم، عقب حرب عام 1967، حين تبنّى الزعماء العرب قراراً «لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض» مع الدولة العبرية. وقال نتنياهو متوجّهاً إلى ترامب: «نوسّع دائرة السلام بهذه السرعة بفضل قيادتك». كذلك، أضاف إنّ «وفوداً من السودان وإسرائيل ستجتمع قريباً لمناقشة التعاون في مجالات عدّة، وخصوصاً الزراعة والتجارة ومجالات أخرى مهمة».
احتفاء الرئيس الأميركي بالتطبيع بين البلدين، جاء هذه المرّة ناقصاً مقارنة باحتفالَي التطبيع السابقَين، إذ حضر صحافيون في المكتب البيضاوي اتصالاً هاتفياً بينه وبين نتنياهو وحمدوك، والبرهان. لكنّ ترامب، الذي يواجه منذ فترة تراجعاً في شعبيته، بحسب استطلاعات الرأي، لم يضيّع الفرصة من دون تضخيم الخطوة التي يقوم بها، إذ أكّد أنّ «العديد والعديد» من الاتفاقات الأخرى قادمة، مشدّداً على أنّ «السعودية لن تتخلّف عن ركب السلام مع إسرائيل». وجاء ذلك في وقت غرّد فيه المتحدث باسم البيت الأبيض جود ديري، عبر موقع «تويتر» بالقول: «أعلن الرئيس (ترامب) أنّ السودان وإسرائيل توافقا على تطبيع العلاقات بينهما، في خطوة كبيرة جديدة نحو السلام في الشرق الأوسط». كذلك، غرّد الرئيس الأميركي: «إنه انتصار ضخم للولايات المتحدة وللسلام في العالم». وأضاف: «وافق السودان على اتفاق سلام وتطبيع مع إسرائيل! مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين، ثلاث دول في بضعة أسابيع. دول أخرى ستلي».
أعلن البيت الأبيض أنّ ترامب سيسحب السودان من لائحة «الدول الراعية للإرهاب»


وقبل وقت قصير على التصريح عن تطبيع العلاقات، أعلن البيت الأبيض أنّ ترامب سيسحب السودان من لائحة «الدول الراعية للإرهاب». وقال بيان صادر عن البيت الأبيض إنّ الرئيس الأميركي «أبلغ الكونغرس بنيّته التراجع رسمياً عن تحديد السودان كدولة راعية للإرهاب»، واصفاً الأمر بأنه «لحظة بالغة الأهمية» للسودان وللعلاقات بين الخرطوم وواشنطن. وأوضح البيان أنّ السلطات الانتقالية في السودان سدّدت مبلغ 335 مليون دولار في إطار اتفاق لتعويض أميركيين، ضحايا اعتداءات وقعت خلال حكم الرئيس عمر البشير الذي استمر ثلاثين عاماً.
وحكم القضاء الأميركي على السودان بدفع هذه التعويضات، بعدما اتهم البلد بدعم جهاديين فجروا السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا، ما أدى إلى مقتل 224 شخصاً وجرح نحو خمسة آلاف آخرين. وفي هذا الإطار، أفاد مكتب حمدوك، في بيان، بأنّ قرار إزالة السودان عن اللائحة الأميركية للإرهاب «فتح الباب واسعاً لعودة السودان المستحقّة إلى المجتمع الدولي والنظام المالي والمصرفي العالمي والاستثمارات الإقليمية والدولية».
لكن الواضح أنّ الأسباب التي دفعت السودان إلى القبول باتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل تكمن في الوضع الاقتصادي المزري الذي يعانيه والمرتبط بشكل كبير بالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عليه. ومن هذا المنطلق، ذكر البيان الصادر عن الخرطوم أنّ الولايات المتحدة ستساعد السودان في «تقليل أعباء ديونه»، بما في ذلك دفع النقاشات مع شركائها الدوليين «حول الإعفاء من الديون». إلّا أنّه يُخشى من أن يؤدي هذا الإعلان إلى زعزعة الاتفاق السياسي الذي تحكم بموجبه الحكومة الانتقالية، إذ إنّ أصواتاً معارضة ارتفعت منذ أن اتّضح مسار التطبيع. ومن أبرز المعارضين رئيس حزب «الأمة» الإسلامي الصادق المهدي، الذي يعدّ من أبرز داعمي الحكومة. وقد هدّد بسحب دعمه للحكومة إذا تمّ التطبيع.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا