يصعب اكتشاف هذه الألغام لصغر حجمها وتصميمها بأشكال مختلفة
بدورها، لم تكن تعلم رنا (22 عاماً) أنها لن تسير على قدميها بعد تاريخ 2/6/2015، الذي غيّر مجرى حياتها نهائياً. فالشابّة انفجر فيها لغم أرضي لدى عودتها من الجامعة إلى منزلها في إحدى قرى ريف حماة الشرقي. هذه المرّة، كانت الجهة المسؤولة عن زرع الألغام هي تنظيم «داعش». تقول الشابة لـ«الأخبار»: «كنت في طريقي إلى البيت، فدست بقدمي على لغم كان على شكل علبة بلاستيك، انفجر في وجهي، وقذفني عدة أمتار في الهواء، فقدت ساقيّ، وأصبت ببعض الجروح الموزّعة على أنحاء جسدي». تحتاج الشابة، حتى تتمكّن من استعادة قدرتها على المشي، إلى تركيب ساقَين إلكترونيَّين، وليس من نوعية تلك الأطراف الاصطناعية التجميلية، لأن مساحة المنطقة المبتورة لديها كبيرة. تنتظر رنا حصول معجزة ما، تستعيد بها قدرتها على المشي، وتأمل أن يتبرّع لها أحد الأغنياء أو جمعية خيرية بذلك، سواء كانت محلية أم دولية، نظراً إلى كلفة الأطراف الإلكترونية العالية: «قدّمَت لي إحدى الجهات أطرافاً اصطناعية أشبه بأجسام البوليستر التي تعرض الملابس الجاهزة، لا تستطيع حملي، لأن منطقة البتر لديّ تمتد من القدم إلى أعلى الركبة، وفي حالتي هذه، لا تنفعني الأنواع التجميلية، بل فقط الأطراف الذكية، لذلك نزعتها عني، واستبدلتها بكرسي متحرك". وعن معاناتها في الحصول على عمل، تلفت إلى أن "نسبة العجز لديّ تصل إلى 100%، وتخوّلني الحصول على عمل بدون منّة أحد، لماذا كل هذا الذلّ؟ لا نملك أيّ حقوق، فقط لكوننا جرحى مدنيين، هذه هي الإجابة المعهودة عند طلب أيّ تعويض أو وظيفة»، مضيفة أن ثمّة «جمعية خيرية واحدة فقط تهتمّ بأحوال الجرحى المدنيين، وهي ترسل لهم مبلغاً مالياً صغيراً شهرياً».
كعشرات الفتيان، كان محمد (17 عاماً) يلهو مع أصدقائه في صبيحة يوم آذاري في العام 2016، في أحد أحياء وادي بردى في ريف دمشق، إلى أن وقعت عيناه على صندوق حديدي، فدفعه فضوله لالتقاطه، لينفجر به. يقول محمد: «في ذلك اليوم، كنا قرابة 10 فتيان مجتمعين معاً، نلهو ونلعب، فالتقطتُ صندوقاً مصنوعاً من الحديد، ثمّ رميته على مرمى حجر، فانفجر بنا وأصيب الجميع، لكن إصابتي كانت بالغة، وقد فقدت نظري بالكامل، وبُترت يدي اليمنى، أما الآخرون فكانت إصاباتهم طفيفة، ومِن بينهم أخي». مذّاك، باءت كلّ محاولات محمد للحصول على عمل بالفشل؛ إذ «حاولت جاهداً تقديم طلبات عمل أو منح مالية لتمويل المشاريع الصغيرة، كبقالية صغيرة مثلاً، لكن لا يوجد أيّ ردّ، وإن وُجد، يكون مع الرفض، والسبب أننا جرحى مدنيون».
يتقبّل جرحى الألغام واقعهم الجسدي بمرارة. لكن ما يشقّ عليهم تقبّله هو تهميشهم وحرمانهم من حقوقهم كجرحى، ليس لشيء، سوى لأنهم مدنيون وليسوا عسكريين. لا فرص عمل لهم، ولا إعانات حكومية، ومنهم مَن يعيل عائلته، أو هو ربّ أسرة تحتاج إلى مَن يرعاها. يُتركون لمصيرهم مع جروحهم التي سترافقهم العمر كلّه، مضافاً إليها العوز، و"ذلّ الجمعيات الخاصّة"، إن وُجدت.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا