تونس | استقبلت الادارة الأميركية رئيس الحكومة التونسية مهدي جمعة بإلغاء «تحذير السفر إلى تونس»، الذي كانت وزارة الخارجية الأميركية قد أقرته على كل رعاياها في اي مكان من العالم منذ ثلاث سنوات بعد سقوط النظام السابق!قرار جاء ليؤكد الرهان الواضح للإدارة الأميركية على مهدي جمعة، باعتباره «رجل الإنقاذ»، وهو اول رئيس حكومة تونسي بعد الباجي قائد السبسي تستقبله الادارة الأميركية بدعوة رسمية من الرئيس باراك أوباما، الذي سيلتقي جمعة غداً.

ذلك أن واشنطن لم توجه اي دعوة رسمية طيلة اكثر من عامين إلى الحكام الجدد، لا إلى الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي، ولا إلى رئيسي حكومتي الترويكا حمادي الجبالي وعلي العريض، وهو ما يعكس موقفاً ضمنياً من الطبقة السياسية الجديدة، التي وإن لم تبخل عليها الادارة الأميركية بـ «التنويه» و«التشجيع» في مستوى الخطاب، الا أنها عملياً لم تقدم إليها شيئاً، وخاصة بعد الاعتداء الذي تعرضت له سفارة الولايات المتحدة في١٢ أيلول ٢٠١٢، وهو من بين الأسباب الرئيسية في تراجع حماسة ادارة أوباما للإسلاميين في تونس.
رأي عام داعم
لجمعة باعتباره شخصية بعيدة عن الأحزاب
وبحسب ما حصلت عليه «الأخبار» من تسريبات، وبحسب تركيبة الوفد الذي يرافق رئيس الحكومة، فإن الملف الأمني يتصدر جدول المباحثات مع الوضع الاقتصادي والتعاون العلمي والتكنولوجي، اذ تصر الادارة الاميركية على كشف خفايا وملابسات الاعتداء على السفارة الاميركية في تونس، الذي ذهب ضحيته أربعة شبان تونسيين، كما أُلحقت أضرار مادية كبيرة بالسفارة وبعض المقارّ الملحقة بها من بينها المدرسة الأميركية، كما اكدت بعض المصادر الحكومية لـ«الأخبار» أن من بين الملفات التي ستناقشها الادارة الأميركية مع جمعة والوفد المرافق له، ملف تنظيم أنصار الشريعة، وهو ما يفسر وجود وزير الأمن رضا صفر المعروف بحنكته وخبرته الأمنية الطويلة، سواء في وزارة الداخلية، وتحديداً جهاز أمن الدولة في مطلع الثمانينيات، او في مجلس وزراء الداخلية العرب، ضمن الوفد المرافق، كما ستهتم الزيارة بالتنمية وبالتعاون التكنولوجي والوضع الاقتصادي المنهار، وهو ما يفسر مرافقة محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري، وكاتب الدولة للتنمية نورالدين بن زكري، ووزير التعليم العالي العالي والبحث العلمي وتكنولوجيا الاتصال توفيق الجلاصي لرئيس الحكومة.
وبحسب البيان الصادر عن البيت الأبيض، فإن زيارة رئيس الحكومة مهدي جمعة تندرج «ضمن تعزيز افاق التعاون الثنائي والعلاقات التاريخية بين البلدين». وسيلتقي جمعة مجموعة من كبار المسؤولين في الادارة الأميركية والمنظمات الدولية، منهم وزير الخارجية جون كيري، ونائب وزير الخارجية المكلف شؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا وليام بيرنز، ووزير المالية جاكوب لو، والمديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لافارد، ورئيس مجموعة البنك الدولي جيم يونغ كيم، وعدد من رجال الاعمال وأعضاء الكونغرس، وهو ما يؤكد الطابع المهم جداً لهذه الزيارة، التي تأتي في وقت قياسي، اذ لم يمر الا شهران فقط على تولي جمعة الحكم، وبعد شهر من زيارة وزير الخارجية كيري وإعلان الحوار الاستراتيجي التونسي الأميركي.
هذه الحفاوة التي لقيها جمعة فسرها عدد من الخبراء في تطورات وكواليس المشهد التونسي، بأن الادارة الأميركية تراهن على مهدي جمعة ليكون رجل تونس القوي في السنوات القادمة، باعتباره يحظى بثقة الأفرقاء السياسيين ومحل إجماع المنظمات النقابية والاجتماعية والأحزاب، وهو ما تحتاج اليه تونس اليوم بعد ثلاث سنوات من التجاذب السياسي، كادت أن تعصف باستقرارها الذي ما زال هشاً. مراهنة الادارة الأميركية تتوافق مع التصريح الذي أدلى به منذ أيام زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، الذي قال إن مهدي جمعة يمكن أن يواصل رئاسة حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات، في الوقت الذي صرح فيه قادة من حزب نداء تونس بأن البلاد تحتاج إلى سنوات من التوافق لتتجاوز مخلفات الأزمة الاقتصادية والأمنية، التي تعيشها منذ ثلاث سنوات مع وصول الترويكا إلى الحكم.
من الواضح أن مهدي جمعة، الذي كان شخصية مغمورة قبل ترشيحه لرئاسة الحكومة، بدأ برسم ملامح سياسته الخاصة، اذ كثف من ظهوره الإعلامي وتواصله مع النخب والجهات، كما لوحظ أن هناك رأياً عاماً بدأ يتكوّن لمساندته باعتباره شخصية بعيدة عن الأحزاب، وهو ما تحتاج إليه تونس اليوم.
ما ينتظره التونسيون من مهدي جمعة كثير امام خزينة خاوية ورايات لم تعد مضمونة ووضع أمني ينذر بالانفجار بعد ثلاث سنوات من تدمير هيكلة الأمن باسم «الثورة»، وبطالة تزداد ارتفاعاً كل يوم؟
الشارع يتطلع إلى مهدي جمعة اليوم بأمل أن يكون الخطاف الذي سيعلن مجيء الربيع إلى بلادهم من واشنطن هذه المرة، بعد الجولة الخليجية التي لم تجنِ منها تونس فيما يبدو الا بعض الوعود.