على خطّ موازٍ، تُواصل وزارة الداخلية محاولاتها احتواء أيّ تحركات في الشارع، في وقت تَفجّرت فيه حالة من الغضب في قرية العوامية في الأُقصر (جنوب)، بعدما اتهم الأهالي ضابط شرطة بقتل أحد المواطنين. في الرواية غير الرسمية، تَوجّه ضابط شرطة، برفقة قوة أمنية، إلى منزل إحدى العائلات للقبض على واحد من أبنائها بسبب مشاركته في التظاهرات المعارضة للرئيس. وعندما لم يجده، صفع والدَ الشاب أمام باقي أبنائه، ما دفع شقيق المطلوب إلى ردّ الصفعة للضابط الذي سارع إلى إطلاق النار عليه. وتفاقمت حالة الغضب في القرية خلال جنازة الضحية عويس الراوي، والتي تَحوّلت إلى مسيرة حاشدة فرّقتها الشرطة بقنابل الغاز. ولم يصدر أيّ بيان رسمي أو توضيح، سواء من «الداخلية» أو النيابة العامة التي يُفترض أنها بدأت التحقيقات، وخاصة أن تصريح الدفن للضحية أكد أن الوفاة غير طبيعية.
شهدت قرية العواميّة تظاهرات كبيرة بسبب قتلِ الشرطة شاباً أمام عائلته
ويأتي تورّط «الداخلية» في قتل الراوي بعد أقلّ من شهر على تورّط ضباط مديرية أمن الجيزة في مقتل الشاب إسلام الأسترالي، بعد تشاجره مع أحد أمناء الشرطة، علماً بأن النيابة سجنت ثلاثة من أمناء الشرطة على ذمّة التحقيقات، فيما أخلت سبيل الضابط المسؤول، مع استكمال التحقيقات التي تتعرّض فيها أسرة الضحية لتهديدات متعدّدة، من دون أن توفّر لهم النيابة أيّ حماية. والمفارقة التي تؤكد انحياز النيابة، هي توقيف المحامي طارق جميل سعيد، وهو أحد المقرّبين من النظام، بعد نشره مقطع فيديو على «انستغرام» تحدّث فيه عن الفوضى والعشوائية التي شابت تشكيل قوائم الانتخابات، وذلك لمصلحة من يضخّ المال أكثر. وكان سعيد قد أُقصي من القوائم الانتخابية التي شكّلتها الأجهزة الأمنية. وبعد ساعات من نشره الفيديو (الذي عاد وحذفه سريعاً)، أوقفه جهاز «الأمن الوطني» الذي أحاله على «نيابة أمن الدولة العليا»، لتُقرّر الأخيرة حبسه 15 يوماً بتهمة إساءة استعمال مواقع التواصل الاجتماعي، جرّاء انتقاده المخابرات بصورة مبطّنة، على رغم استغاثته بالرئيس. أيضاً، جرى التعتيم على هذا الخبر، ولم ينشره سوى بعض زملاء المحامي على حساباتهم.
ومع أن تحرّيات «الأمن الوطني»، التي تتخذها النيابة ذريعة لحبس المتهمين بالشهور والسنوات، مشكوك فيها دائماً وتحمل عبارات فضفاضة، فإن واقعة المحامي سعيد تحديداً تعكس ارتباطاً وتنسيقاً وثيقاً بين «الداخلية» والنيابة لتسوية الأمور قانونياً، وخاصة أن المحامي الذي نشر فيديو يؤكد فيه تأييده السيسي والنظام تحدّث عن وقائع يتطرّق إليها الجميع في الشارع، وفي مقدّمها الفساد الذي شاب الترشيحات، سواء لانتخابات مجلس النواب المقرّر أن تُجرى خلال أسابيع، أو انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا