القاهرة | في أقلّ من أسبوع، أصدر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، 19 قراراً جمهورياً بنقل قضاة بمختلف درجاتهم وجِهات عملهم إلى وظائف غير قضائية، وهو ما نشرته «الجريدة الرسمية». القرارات الـ 19 هي أكبر عدد يعتمده السيسي في وقت قصير، وطاولت غالبيتها قضاةً لهم مواقف سياسية، فيما تلتزم الهيئات القضائية الصمت حيال ذلك، من دون أن توضح مَن جرى نقله بناءً على تحقيقات ومخالفات داخلية ثَبتت صحتها، ومَن أُقصي لأسباب سياسية. وكان «مجلس القضاء الأعلى»، وهو أعلى جهة قضائية، قد أصدر قراراً بمنع أيّ قاضٍ من الحديث عبر وسائل الإعلام من دون إذن مسبق لا يُمنح من الأساس. ومَن يخرجْ للحديث إعلامياً، يُعفَ من الخدمة فوراً، لكن بعد تحقيقات شكلية، فيما يأتي دور الرئيس في التصديق على قرارات العزل. وجرت العادة، في الأوساط القضائية، على إحالة مَن يتورّط في مخالفات أخلاقية أو مالية إلى التقاعد، من دون الكشف عن التفاصيل إلّا في أضيق الحدود، لكن إقصاء هذا العدد الكبير في وقت قصير، وبالتزامن مع الجدل السياسي بسبب دعوات إلى التظاهر، يطرح علامات استفهام حول إرادة النظام إمرار قرارات النقل على دفعتين، من دون اهتمام بالتوضيح، سوى تسريبات أمنية تتحدّث عن مخالفات للقضاة المنقولين إلى وزارات حكومية مع احتفاظهم برواتبهم كما هي.
على خطّ موازٍ، تُواصل وزارة الداخلية محاولاتها احتواء أيّ تحركات في الشارع، في وقت تَفجّرت فيه حالة من الغضب في قرية العوامية في الأُقصر (جنوب)، بعدما اتهم الأهالي ضابط شرطة بقتل أحد المواطنين. في الرواية غير الرسمية، تَوجّه ضابط شرطة، برفقة قوة أمنية، إلى منزل إحدى العائلات للقبض على واحد من أبنائها بسبب مشاركته في التظاهرات المعارضة للرئيس. وعندما لم يجده، صفع والدَ الشاب أمام باقي أبنائه، ما دفع شقيق المطلوب إلى ردّ الصفعة للضابط الذي سارع إلى إطلاق النار عليه. وتفاقمت حالة الغضب في القرية خلال جنازة الضحية عويس الراوي، والتي تَحوّلت إلى مسيرة حاشدة فرّقتها الشرطة بقنابل الغاز. ولم يصدر أيّ بيان رسمي أو توضيح، سواء من «الداخلية» أو النيابة العامة التي يُفترض أنها بدأت التحقيقات، وخاصة أن تصريح الدفن للضحية أكد أن الوفاة غير طبيعية.
شهدت قرية العواميّة تظاهرات كبيرة بسبب قتلِ الشرطة شاباً أمام عائلته


ويأتي تورّط «الداخلية» في قتل الراوي بعد أقلّ من شهر على تورّط ضباط مديرية أمن الجيزة في مقتل الشاب إسلام الأسترالي، بعد تشاجره مع أحد أمناء الشرطة، علماً بأن النيابة سجنت ثلاثة من أمناء الشرطة على ذمّة التحقيقات، فيما أخلت سبيل الضابط المسؤول، مع استكمال التحقيقات التي تتعرّض فيها أسرة الضحية لتهديدات متعدّدة، من دون أن توفّر لهم النيابة أيّ حماية. والمفارقة التي تؤكد انحياز النيابة، هي توقيف المحامي طارق جميل سعيد، وهو أحد المقرّبين من النظام، بعد نشره مقطع فيديو على «انستغرام» تحدّث فيه عن الفوضى والعشوائية التي شابت تشكيل قوائم الانتخابات، وذلك لمصلحة من يضخّ المال أكثر. وكان سعيد قد أُقصي من القوائم الانتخابية التي شكّلتها الأجهزة الأمنية. وبعد ساعات من نشره الفيديو (الذي عاد وحذفه سريعاً)، أوقفه جهاز «الأمن الوطني» الذي أحاله على «نيابة أمن الدولة العليا»، لتُقرّر الأخيرة حبسه 15 يوماً بتهمة إساءة استعمال مواقع التواصل الاجتماعي، جرّاء انتقاده المخابرات بصورة مبطّنة، على رغم استغاثته بالرئيس. أيضاً، جرى التعتيم على هذا الخبر، ولم ينشره سوى بعض زملاء المحامي على حساباتهم.
ومع أن تحرّيات «الأمن الوطني»، التي تتخذها النيابة ذريعة لحبس المتهمين بالشهور والسنوات، مشكوك فيها دائماً وتحمل عبارات فضفاضة، فإن واقعة المحامي سعيد تحديداً تعكس ارتباطاً وتنسيقاً وثيقاً بين «الداخلية» والنيابة لتسوية الأمور قانونياً، وخاصة أن المحامي الذي نشر فيديو يؤكد فيه تأييده السيسي والنظام تحدّث عن وقائع يتطرّق إليها الجميع في الشارع، وفي مقدّمها الفساد الذي شاب الترشيحات، سواء لانتخابات مجلس النواب المقرّر أن تُجرى خلال أسابيع، أو انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا