بعدما بدت المساعي الأميركية لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية كما لو أنها وصلت إلى طريق مسدود، عادت وتسارعت التطورات باتجاه صيغة ارتفعت أسهم نيلها موافقة الطرف الإسرائيلي، ردّ عليها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بالإعلان عن الانضمام إلى مؤسسات الامم المتحدة والتوقيع على 15 من المعاهدات والمواثيق الدولية.
الأجواء الإسرائيلية والرد الفلسطيني على صيغة الاتفاق التي تم تداولها في وسائل الاعلام الإسرائيلية يدفعان إلى التساؤل عمّا إذا كان إعلان عباس يمثّل نعياً نهائياً للمفاوضات وقلب للطاولة، وبالتالي بداية نهج سياسي فلسطيني جديد، أم أنه جزء من ضغوط اللحظات الأخيرة التي تهدف إلى انتزاع مطالب إضافية تتعلق بالأسرى الفلسطينيين، وهو المرجّح، أضف إلى محاولة تحسين الصورة بعد سلسلة التنازلات التي قدمتها السلطة، وبدت فيها كأنها مستعدة عملياً للتكيف مع التوسع الاستيطاني المنظم، مقابل أثمان أخرى.
صيغة المخرج، التي تداولتها وسائل الاعلام الإسرائيلية، كان يفترض أن تشمل إطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي في السجون الأميركية جوناثان بولارد، في مقابل تحرير مئات الأسرى الفلسطينيين من الذين لم يشاركوا في عمليات أدت إلى مقتل إسرائيليين، فضلاً عن الالتزام بتحرير الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، كما كان متفقاً عليه عشية انطلاق الجولات الأخيرة قبل نحو ثمانية أشهر، إضافة إلى صيغة ملتبسة تتعلق باستمرار البناء في المستوطنات، من دون القدس المحتلة، هي أقرب إلى أن تكون تنظيماً للبناء الاستيطاني من أن تكون تجميداً «هادئاً» له.
لم يحسم أوباما
امره بعد بالنسبة إلى اطلاق سراح بولارد
خطوةٌ يبدو أن فصل اكتمالها ما تزال غامضة مع ما أعلنه من أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يحسم امره بعد بالنسبة إلى احتمال اطلاق سراح جوناثان بولارد المعتقل.
لكن هذا الخيار لم يأخذ طريقه إلا بعد استنفاد مسارات بديلة ارتكزت على فشل المفاوضات السابقة في إحداث اختراق جوهري يسمح للسلطة بالبناء عليه وتبرير خيار استئناف المفاوضات لأشهر إضافية، وهو ما دفعها إلى التحصن بأحد مطلبين: إما تجميد حقيقي للتوسع الاستيطاني، أو تحرير المزيد من الأسرى الفلسطينيين.
في ما يتعلق بالخيار الاول، كان دونه العديد من العقبات من داخل حكومة نتنياهو، والتي من أجل تجنبها وافقت قبل نحو ثمانية أشهر على صفقة تحرير أسرى ما قبل اتفاق أوسلو، والتي تبقى منها الدفعة الرابعة. وبالتالي لم يكن بالإمكان إمرار أي صفقة في الحكومة الإسرائيلية تقوم على هذا الشرط.
أما بخصوص تحرير المزيد من الأسرى الفلسطينيين، كشرط لاستئناف المفاوضات، فقد ارتفعت في مقابلها مواقف من داخل حكومة بنيامين نتنياهو تؤكد أن هذه الصفقة لن تمر وتحذر من أن تؤدي خطوة كهذه إلى تفكيكها.في ظل السقوف المتبادلة، والصعوبات التي يواجهها الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني، كلٌ بحسب ظروفه؛ الاول على خلفية تركيبته الحكومية التي يتظلل بها نتنياهو، مع أرجحية بوجود هامش من المناورة يستهدف ممارسة المزيد من الابتزاز للطرفين الفلسطيني والأميركي، والثاني، أي محمود عباس، بعدما بات ظهره إلى الحائط ولم يعد يملك هامشاً واسعاً من المناورة يسمح له بمزيد من التنازلات، استلّ الأميركي ورقة الاحتياط التي تتمثل في تلبية مطلب إسرائيلي دائم، عبر إطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد.
وبحسب التقارير الإعلامية الإسرائيلية، تبلورت «رزمة لتمديد المفاوضات» بعد اجتماع عقده وزير الخارجية الأميركي جون كيري صباح أمس مع نتنياهو، بعد فشل لقاء سابق بينهما أول من أمس. وأكدت التقارير نفسها، نقلاً عن مصادر إسرائيلية مطلعة، أن الصفقة الآخذة بالتبلور تشمل إطلاق سراح بولارد قبل حلول عيد الفصح اليهودي، أي منتصف الشهر الجاري، وتحرير الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، بمن فيهم 14 من فلسطينيي الـ48، إضافة إلى 400 أسير فلسطيني «لم تتلطخ أيديهم بالدماء» تختارهم إسرائيل بنفسها، ومعظمهم من النساء وصغار السن، كما أكد مصدر إسرائيلي. ويفترض أن يتم أيضاً تجميد هادئ للبناء في المستوطنات، باستثناء القدس، في حين يوافق الفلسطينيون في المقابل على تمديد فترة المفاوضات حتى عام 2015 والامتناع عن اتخاذ إجراءات أحادية في مؤسسات الامم المتحدة.
لكن في مقابل «الرزمة» المتداولة، كأساس للاتفاق على استئناف المفاوضات حتى عام 2015، وتحديداً لجهة ما يتعلق بالأسرى المفترض أن يتم تحريرهم، بما تؤشر اليه من استثناء لأسرى يتمتعون بـ«ثقل نوعي» في الساحة الفلسطينية، وما تمت الإشارة اليه من تجميد هادئ للتوسع الاستيطاني الذي هو في الواقع ليس سوى تنظيم لعملية التوسع الاستيطاني بما لا يحرج الطرفين الأميركي والفلسطيني، أتت حركة أبو مازن المضادة والمفاجئة، والتي يرجّح ألا يذهب فيها بعيداً، خاصة أنه ليس من مصلحته أن يبدو في مواجهة الأميركي الذي استطاع تحقيق خطوة إلى الامام باتجاه الاتفاق على استئناف المفاوضات.
أبو مازن نفسه أكد أن السلطة لا تريد الدخول في مواجهة مع واشنطن لافتاً إلى أن السلطة ستستمر في مساعيها للوصول إلى الحل السلمي من خلال المفاوضات. خطوة عباس ردت عليها واشنطن بالغاء لقاء اليوم بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري وعباس، إلا أن كيري ابقى الباب مفتوحاً لاجتماعه بعباس بقوله «لست واثقاً بعد لأن هناك أموراً لا نزال ننظر فيها على المستوى اللوجستي وفي اطار ما هو ممكن».
كيري دعا الفلسطينيين والإسرائيليين إلى «ضبط النفس» بعد قراريين تصعيديين أمس من قبل كل طرف على حدة. وكما هو متوقع، لقي موقف أبو مازن ردود فعل غاضبة في الساحة الإسرائيلية، إذ نقلت إذاعة الجيش عن مصادر سياسية رفيعة قولها إن قراراته سيكون لها نتائج خطيرة على كافة المستويات، واتهمت الرئيس الفلسطيني بمحاولة إفشال مهمة كيري قبل وصوله اليوم إلى إسرائيل للتوصل إلى اتفاق. وبالرغم من عدم صدور موقف رسمي من مكتب نتنياهو، حتى حينه، نقلت الإذاعة أيضاً عن مصادر في المكتب قولها إن السلطة تقوم عملياً بإلغاء اتفاق أوسلو عبر القفز عن المفاوضات والتصرف كدولة مستقلة. ورأت المصادر نفسها أن الرئيس عباس كشف عن وجهه الحقيقي في رفضه للتوصل إلى حلول وسط للأزمات التي تعترض طريق المفاوضات.
إلى ذلك، وفي ذروة أزمة المفاوضات ومساعي الطرف الأميركي لتوفير الاجواء التي تسمح باستئنافها، وجهت إسرائيل رسالة حاولت من خلالها تأكيد إصرارها على مواصلة سياسة الاستيطان، إذ أعلنت عن عطاءات لبناء 708 وحدات سكنية جديدة في مستوطنة جيلو في القدس الشرقية، التي يفترض وفق الصيغة المطروحة أنها مستثناة من الاتفاق الذي ينظم عملية الاستيطان خلال المفاوضات.