الخرطوم | دعوة الرئيس عمر البشير للفرقاء السودانيين للدخول في حوار وطني شامل لا يستثني أحداً لم تكن كافية ليهرول الجميع نحوها؛ فأحزاب قوى تحالف الإجماع الوطني سارعت إلى إعلان موقفها الثابت بأن موافقتها على الحوار مع الحكومة تستوجب استجابة الأخيرة أولاً لمطالبها المعلنة في بسط الحريات العامة وحريات التنظيم السياسي، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وإيقاف الحرب في المنطقتين «جنوب كردفان والنيل الأزرق».
وهي نقاط وضعتها المعارضة لاختبار جدية الحكومة في المضي قدماً في حوارها الشامل، بينما نظرت إليها الحكومة كشروط مرفوضة تبيّن عدم رغبة المعارضة في الحوار أصلاً.
وترى الحكومة أن خطوات التمهيد للحوار الجامع تسير بصورة جيدة، مبررة التأخير في انعقاده بالحرص على مشاركة الجميع فيه. ووصف مساعد رئيس الجمهورية إبراهيم غندور الأحزاب التي رفضت الحوار بـ«القليلة»، لكنه استدرك أثناء مخاطبته أول من أمس ملتقى لأمانات الشباب في حزبه قائلاً: «لكن بالنسبة لنا هي أحزاب مهمة»، مضيفاً أنهم يريدون حواراً لا يستثني أحداً. وزاد غندور أن الحزب الذي يرفض الحوار «يحاصر نفسه قبل أن يحاصره الآخرون».
لكن بعض المراقبين يرون أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم هو المسؤول الأول عن تأخير انطلاقة الحوار، باعتبار أنه الحزب الممسك بمقاليد الحكم، وبإمكانه تقديم مزيد من التنازلات للمعارضة حتى تنضم إلى الحوار. ويذهب المراقبون أبعد من ذلك للقول بأن إصرار الحزب الحاكم على ممارساته في تقييد الحريات ومصادرة الصحف ومنع إقامة الندوات، يتعارض مع الحديث عن حوار ووفاق وطني، ومع الأجواء والمناخ العام الذي يسود الساحة الآن.
يرى المراقبون
أن الحزب الحاكم هو المسؤول الأول عن تأخير انطلاقة الحوار
وتسوّق قوى المعارضة تلك الممارسات كدليل واضح على عدم رغبة الحكومة وعدم جديتها في إجراء حوار من الأساس. وفي خطوة متأخرة، طرح الحزب الاتحادي الأصل، المشارك في السلطة على مستوى مؤسسة الرئاسة بمنصب مساعد الرئيس، طرح أول من أمس رؤية متكاملة بشأن الحوار الذي دعا إليه البشير، طالب عبرها الحكومة بوقف فوري لإطلاق النار في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وإعلان العفو العام عن حاملي السلاح وإطلاق الحريات العامة. ورأى مراقبون أن خطوة الحزب الاتحادي قصد منها إرضاء القواعد الاتحادية التي تتحفظ معظمها على مسألة الحوار غير المشروط مع حزب المؤتمر الوطني.
وفي الوقت الذي يسعى فيه حزب المؤتمر الوطني إلى إكساب مبادرته الداعية إلى الحوار مزيداً من الجدية، وذلك بإعلانه تكوين لجنة عليا معنية بالحوار مع القوى السياسية يرأسها النائب الأول السابق علي عثمان محمد طه، إلا أن تلك الخطوة لم تجدِ نفعاً مع الأحزاب الرافضة لمبدأ الحوار. وأبلغ سكرتير الحزب الشيوعي، النائب السابق علي عثمان طه، تمسك حزبه باشتراطاته الخاصة بقبول الحوار، لكن السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني محمد مختار الخطيب رفض وصف موقفهم الخاص بالحوار مع الحكومة بالمتعنت. وقال إن الشروط التي وضعها الحزب للموافقة على الحوار مع المؤتمر الوطني هي شروط لضمان نجاح الحوار والوصول به إلى نتائج مثمرة تجنّب السودان المخاطر. وتابع إن «الشرط الأول، وهو إطلاق الحريات، ضروري جداً لقيام الحوار»، لافتاً إلى أن «السلطات أوقفت أخيراً صحيفة الحزب (الميدان)، بعد أيام قليلة من إطلاق سراحها، كما صادرت الأسبوع الماضي صحيفة (الجريدة)». وقال إن «إطلاق الحريات يتيح للأحزاب أن تمارس دورها في مخاطبة الجماهير وتبادل الأفكار معها»، مضيفاً أنهم «يريدونه حواراً مجتمعياً يشارك فيه كل أهل البلد عبر الندوات والليالي السياسية». وقال الخطيب لـ«الأخبار» إن «وقف إطلاق النار من جانب الحكومة شرط أساسي أيضاً، لأن أهلنا النازحين في المعسكرات هم سودانيون ويجب أن يشاركوا في الحوار أيضاً، مؤكداً أن أي حوار يتجاوزهم لن ينجح».
في الأثناء، رأى القيادي السابق في الحزب الحاكم والرئيس الحالي لحزب «التغيير والإصلاح» المعارض غازي صلاح الدين أن الحكومة بمماطلتها في بدء الحوار إنما تسعى «لتلجينه»، أي قتله في مهده، بتكوين لجان ولجان منبثقة عنها! ووصف غازي الحكومة بأنها تريد أن تحاور نفسها.
ويسود اعتقاد واسع أن التوافق الوطني هو ما ينقص انطلاق الحوار، فالقوى السياسية على اختلافها تتفق على ضرورة أن يشمل الحوار الحركات الدارفورية المسلحة، وتلك المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية، إذ إن تجاوزها يعني أن أي مخرجات للحوار ستظل معرضة للحرب من قبل تلك الحركات والتكوينات التي يرى الكثيرون أنها ما حملت السلاح إلا لانسداد أفق الحوار والتوافق مع بقية قوى المركز.
ويمكن اعتبار الاختراق الوحيد الذي سجّله الحزب الحاكم في ما يختص بالحوار هو نجاحه في إقناع حزب المؤتمر الشعبي بالجلوس معه والموافقة على الحوار من دون شروط. والتقط زعيم المؤتمر الشعبي حسن الترابي القفاز ودخل في أجواء الحوار بعد قطيعة سياسية طويلة مع الحزب الحاكم الذي كان هو من وضع لبنته، إذ شارك الترابي في فعاليات ملتقى «ام جرس» في تشاد، الذي يسعى لتجميع الحركات الدارفورية المسلحة وإلحاقها باتفاق الدوحة، سعياً للوصول الى سلام دائم في الإقليم المضطرب.
وبدا الحزب الذي كان من أشد المعارضين للنظام وكأنه يمسك العصا من الوسط، فتارة يعلن موافقته على الجلوس مع الحزب الحاكم وتارة أخرى يؤكد التزامه بشروط قوى الإجماع الخاصة بالحوار. ويسعى المؤتمر الشعبي لإقناع أحزاب قوى تحالف المعارضة بقبول دعوة الحكومة والموافقة على الحوار من دون التمسك بشروط مسبقة. في المقابل، تتشدد قوى المعارضة في التمسك بموقفها الرافض للحوار، والشروع في تنفيذ خطوات لتجميد عضوية حزب المؤتمر الشعبي ومعه حزب الأمة القومي في التحالف، بسبب شقّهما لصف التحالف وموافقتهما على الحوار مع الوطني.